تمتلك اللغة العربية ضمائر منها ما هو حاضر ومنها ما هو على موعد سفر ولا نعلم متى يعود؟
هناك في مقهى (الضمائر) اجتمعتُ أنا وهي على طاولةٍ واحدة والحضور يستمعون لأغنية اللقاء.
هل قد سمعنا (بالضمير الميت) في دروس النحو وهل صادفنا في مسيرتنا التعليمية مثل هذا الضمير.
ربما أنهُ ذو مزاج متقلب لذا يصعب علينا حفظه على سطورٍ غير قابلة للكسر.
وصلتني رسالة من رقمٍ لا يحمل اسماً!
كل محتوى ذلك الرقم من طلبٍ وانتظار في سؤالٍ واحد كُرِّر أمام ناظري.
هل تسامحيني؟
كنتُ حينها في صراعٍ مع ذاكرتي للمحاولة في تذكر من تكون صاحبة الرقم أو ماذا يختبىء تحت سطور السؤال، لم أستطع استحضار رد مناسب.
في المرة الأولى تجاهلت
في المرة الثانية تأملت
في المرة الثالثة تألمت.
خلال تلك الوقفة عَبَر أمامي (النادل) يحمل معه قائمة الطعام ليقدمه لي لأجد بهِ (من لا يؤدبه الضمير تؤدبه الحياة حين تدور).
أفاقت ذاكرتي ومكنوني المدفون لتحضر بين يدي قائمة من (ظلمني) وأمامها كل اسم وسبب وما هو مقدار العفو.
ماذا يعني الضمير؟
هو ميزان يوزن لنا الأمور من أقوالٍ وأفعال ويقيسها لمعرفة الحق من الباطل.
يعني أن يكون بداخلنا:
(مُنبه يوقظنا إذا غفلنا).
عندما نملك ضميرًا حيًا يُحيي فينا كل ما هو خيرٌ لنا فحقاً سننعم بحياة مستقرة وهادئة.
لكن ماذا لو كان الضمير (ميتًا) هل سيحيا صاحبهُ وسط حياة مخضرة تُزهر له الدروب حباً وراحة بال.
في تلك الرسالة التي وصلتني تطلب السماح حملتُ في الوهلة نفسها ضميرين إحداهما حي والآخر ميت.
كنتُ في حالة تشويش للرؤية فاقدة للاتزان ماذا عساني أن أختار في موازنة الشعور الذي يعتصرني ألماً بداخلي، ليس شفقة على صاحبة الرسالة بل ألم على ما قد دفنته سنين، وبالسؤال عادت شرارة النار التي أحرقتني..
قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.
يعلم الله عز وجل ما يضمره الإنسان في نفسهِ من خيرٍ أو شر وسيحاسبه.
لماذا البعض يتساهل في ظلمهِ لغيره؟
لماذا يجمع قوته في كلمة يرمي بها بريئاً ليحزنه.
ما الذي يشعر بهِ البعض عندما تشرق وتغرب شمس يومهم وهم يتناولون
لحمًا (نيئًا) لأجل التسلية وتمضية وقت ولأجل مصالح شخصية.
نستطيع أن نقول إن أصحاب (الضمير الميت) هم من يستقر بداخلهم موت الخوف من الله وبأنه ليس هناك عقاب في الدنيا والآخرة.
وهذا ما حصل معي وأجزم بأني لستُ الوحيدة في وجود من تعامل معنا
(بضمير ميت)، وبعد أن تذوقنا مرارة الألم والقهر وكنا في محاولة التناسي يخرج لنا من دائرة ضيقة في التواصل ليقول لنا:
هل تسامحني؟
أين كان ضميرك هذا الحي عندما كان (ميتًا) في ظلمك للغير.
هل فقدت معنى (الحياة الهادئة المطمئنة)؟
هل واجبٌ عليَّ دفع فاتورة عفوك كاملة لأجل أن تنعمين بتناول أكل جيد؟
هناك من يتعلم ويُعلِّم المهارات الناعمة وهو يملك بداخلهِ مهارة تحتاج بين فترة وفترة إيقاظها من سباتها ليستطيع المضي نحو الأمام براحةٍ وأمان.
كل ما في الحياة قابلٌ للتعديل والتبديل إلا (الضمير) فمن يحيا بضميرٍ حي نعلم بأن مخافة الله نصب عينيه ونرى حياته مستقرة ومطمئنة.
ومن كان العكس مهما أظهر سعادته فستصفعه الحياة يوماً ما جزاء ما فعله.
يُفسر الروائي الفرنسي فيكتور هوغو المسألة بقوله:
((الضمير هو حضور الله في الإنسان ويقظة الضمير من سباته، هي عظمة في الروح ومجد وخلود، وأنا لا أطلب إلا عفواً واحداً عفو ضميري عني)).
في نهاية لقاء الضمائر خرج الضمير الحي وقد سدد فواتير الحضور من الضمائر وقد دوّن على طاولة حضوره:
(كل ساقٍ بما سقى ولا يظلم ربك أحدًا).
رسالة:
سامح قدر استطاعتك فإن لم تستطع فعل ذلك فأغلق الباب والنافذة لتبتعد عن رياحٍ عاتية قد تغلبك..
** **
- فلوة العائض