لم تكن الأماكن في وعي الشاعر العربي مجرد موضع تحل به القبيلة فترة مؤقتة ثم تغادره، بل إنّ الأمر يبدو أكبر من ذلك بكثير، حيث لا يقتصر المكان على ما يحمله من بعد جغرافي فقط، وإنما يمثّل المكان محطة انطلاق إلى الزمان بكل ما يحمله هذا الزمن من تاريخ وفكر، وذكريات.
وغياب المكان عن وعي المتلقي في حقيقته تغييب للزمن الذي يعيشه الشاعر وللفكر المختزل في ذاكرته. فانطلاقًا من ذلك يتحتم الكشف عن تلك الأماكن الواردة في شعر المعلقات والشعر الجاهلي بشكل عام، والنظر إليها بإدراك أوسع وحميمية أكبر؛ لندرك ما يريد الشاعر الجاهلي قوله، ونحس بكل تجلياته الشعورية من ناحية أخرى.
وقد قامت أكاديمية ورد بإشراف الأستاذ : عبد الله الحمياني وزملائه الكرام بدور بارز يستحق الإشادة من خلال التعريف بالأماكن الواردة في الشعر العربي والسيرة النبوية العطرة، وما تلا ذلك من أحداث تاريخية، حيث ساهمت هذه الجهود في ربط الماضي بالحاضر، والسماع بالمشاهدة، وفتح ما استغلق فهمه، وإضاءات جوانب معتمة في صفحات الأدب العربي. وإلى هذا أشار رائد البلدانيين ياقوت الحموي في قوله: وأما أهل الأدب فناهيك بحاجتهم إليها - معرفة البلدان والأقاليم- لأنها من ضوابط اللغوي ولوازمه، وشواهد النحوي ودعائمه، ومعتمد الشاعر في تحلية جيد شعره بذكرها، فإن الشعر لا يروق حتى يذكر حاجر وزرود، ويتحنن إلى رمال رضوى، فيلزمه تصحيح لفظ الاسم، وأين صقعه، فإنه إن زعم أنه واد وكان جبلاً، أو جبل وكان صحراء.... استُخف وزنه واستُقل فضله.
بذلك ندرك أهمية المكان في الشعر العربي، وحجم ما تنوء به أكاديمية ورد من أعباء. سائلين الله لهم التوفيق والسداد.
** **
عبدالله ماطر المطيري - رئيس اللجنة الثقافية في محافظة البدائع، وعضو نادي القصيم الأدبي