فيصل بن أحمد الشميري
منذ عقود طويلة والذهب الأسود (النفط) يستحوذ على القسط الأكبر في توليد الطاقة عالمياً، وظل مُتربعاً ومازال يُقارع على عرشها، لكن مع ذِكر مَخاطره وتأثيره على البيئةِ وفي خلق الصراعات الدولية، وأصبح المحرك لتوليد الحرب والسلام معاً، ومع تقلبات أسواق الطاقة المصاحب للتقلبات الجيوسياسية، بالإضافة إلى التوجه العالمي للحدِّ من انبعاث الغازات الدفيئة والكربون، توجهت الأنظار لبدائل الطاقة النظيفة من أشعة الشمس والرياح ومصبات الأنهار والسدود وحركات المدِّ والجزر... وغيرها، إلا أنه في الآونة الأخيرة اصبح الحديث عن عائلة جديدة انضمت لأسرة الطاقة حديثاً وتسمى الهيدروجين الأخضر.
(الذهب الأخضر) وأصبح الموضوع الأبرز على الساحة العالمية، إذن ما هو، وكيف ينتح، وماهي مميزاته، وهل له سلبيات، وهل سيحتل المركز الأول في إنتاج الطاقة، وهل سيكون البديل والخيار الآمن والمتاح في المستقبل القريب؟
يعتبر عنصر الهيدروجين H الأكثر وفرة على كوكب الأرض، لكن بصورة غير نقية، ويتطلب طاقة أخرى لفصله وجمعه وتخزينه، وتعتبر تلك الطريقة من الطرق التقليدية الأكثر شيوعاً التي تتمثل بفصله من الماء والذي يتكون بدوره من: ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجينH2O)). ومن طرق إنتاج الهيدروجين أيضاً استخدام الحرارة والتفاعلات الكيميائية لإنتاجه وإطلاقه من المواد العضوية، وتعتبر هذه الطريقة في مثل هذه الحالة مُلوثاً للبيئة ومسؤولاً عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون CO2، إلا أن أهم مصدر له حالياً هو من الغاز الطبيعي، ويعتبر الهيدروجين نوعاً من أنواع الوقود الجديدة التي ظهرت مع نهاية الثمانينيات وازدهرت مع بداية الألفية الثانية.
وفي العقدين الأخيرين تسارعت الشركات العالمية في إنتاج المحركات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني، كالسيارات والشاحنات والسفن والطائرات وحتى المركبات والصواريخ الفضائية، إلا أن تكاليف إنتاجه حالياً مازالت مرتفعة ويحتاج لتقنيات كبيرة كالضغط العالي والتبريد الذي قد يصل لدرجة الصفر المطلق.
إلا أن الهيدروجين عُموماً يتميز بارتفاع مُحتواه من الطاقة الناتجة مقارنة بالوقود الأحفوري بثلاثة أضعاف، مما يجعله أكثر كفاءة حتى عند مقارنته بمصادر الطاقة الأخرى المتجددة، والتي لا يمكن استخدامها في الصناعات الثقيلة، كما يتميز بعدم انبعاث غازات أثناء احتراقه، فعند احتراق الهيدروجين بوجود الأكسجين داخل خلية الطاقة فإن إنتاج الكربون يكون (صفر) تقريباً. والهيدروجين قابل للتخزين، وله عدة استخدامات في إنتاج الكهرباء، والحرارة كالتدفئة، وفي الطبخ المنزلي أو كوقود للمحركات والتنقل، كما يمكن خلطه بالغاز المنزلي بنسب قد تصل إلى الخُمس باستخدام نفس الأسطوانات التقليدية.
إلا أن عيوبه مازالت تؤرق المشاريع الاستثمارية الحالية والقادمة والمخاطرة فيه كبيرة والتي تتمثل بتكلفته العالية جداً، وحاجته لمعدات وأدوات خاصة مُختلفة عن معدات الغازات الأخرى، ويحتاج إلى طاقة كهربائية ذات جُهد عالٍ لفصله، إلا أنه ومع وجود بدائل الطاقة الكهربائية المتجددة والنظيفة، قد يساهم في الحدِّ من التكاليف العالية. كما أن لغاز الهيدروجين مخاطر على السلامة العامة، لأنه غاز مُتقلب قابل للاشتعال ويحتاج إلى إجراءات أمن وسلامة عالية. إلا أنه في السنوات المقبلة ربما تتغير تلك النظرة، حيث إن هناك دراسات علمية تتوقع بتخفيض تكاليف إنتاجه، وسهولة معالجته وتخزينه ونقله.
تعتبر المملكة العربية السعودية ضمن النُخبة في إنتاجه، والرابعة في تصديره، وقد تكون الأولى في السنوات القادمة طبقاً لرؤية 2030، وأكثر دول العالم إنتاجاً له في عام 2022 طبقاً لموقع بلومبيرغ هي: (ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية، فرنسا، هولندا، أوكرانيا، بريطانيا، أمريكا، كندا، الصين، الدنمارك، السويد، أستراليا، السعودية ثم الهند على التوالي). ويقدر الإنتاج العالمي من الهيدروجين 120 طناً/سنة، طبقاً لبيانات 2021، وتقدر مُساهمة الهيدروجين في استهلاك الطاقة العالمي بنسبة قُدرت بـ 4 % في العام 2019، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة بحلول 2040 إلى أكثر من 20 %، في حين أن دراسات وإحصائيات تتوقع بأنها قد تصل إلى أعلى من 50 % ما بعد 2050.
وعموماً يرى نُشطاء البيئة والشركات والمستثمرون وكثير من الحكومات حول العالم بأن المستقبل سيكون للهيدروجين الأخضر بلا منازع في سبيل التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولمواجهة السنوات القادمة الموعودة بمزيد من ارتفاع الحرارة العالمي، وإبطاء معدل الاحتباس الحراري، وتخفيف حدة التغير المناخي، ليكون الهيدروجين هو الخيار العملي الآمن على البيئة والمناخ، على أمل أن تنخفض تكاليف إنتاجه وتخزينه ونقله مستقبلاً.