محمد ناصر الأسمري
ابتليت بعض بلدان العرب، على مدى نصف قرن بهتافات تمجيد لزعامات عربية، كان سداها الغوغائية وإلهاء للناس عن السير في ركب الحضارة العالمية. يتذكر أجيال من العرب الهتافات والهتيفة لـ جمال عبد الناصر، معمر القذافي، صدام حسين، علي عبد الله صالح بل وحتى ياسر عرفات وجنرالات السودان وغيرهم، في أثناء خطاباتهم المتوالية.
لكن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل، فبمجرد ما ذوى نفوذ وسلطة هؤلاء حتى ذاب الهتاف والهتيفة وكما قال توفيق الحكيم بعودة الوعي، استفاقت الشعوب وفي طورها للتعافي وعودة الوعي، ذهب فدائيو صدام وذهب العراق الأبي.
في عصر أمتنا اليوم جاء تنظيم بلد عربي صغير المساحة كبير الساحات أعني دولة قطر باركها الله، عملاً حضارياً عولمياً جمع عينات عشوائية للعالم في توحده لنبذ العنصرية والاستقرار لبث هتافات للمحبة والسلام من خلال توافد الآلاف من أقطار العالم بكل ألوان الأجساد والوجوه والأرض تشجيعاً للمهارات التي برز بها لاعبو كرة القدم، سواء الذين حضروا في الملاعب أو في ملايين المشاهدين / المشاهدات على شاشات التلفزة في أرجاء الأرض.
وهنا قد تحققت نظرية الوزير التونسي محمد المصمودي رحمه الله : أصوات متعددة ، عالم واحد ( Many voices one world ).
هتافات الناس في الملاعب سادتها مشاعر الحب والفرح والابتسام في أكثر الفعاليات، وكما قال الصديق والزميل العزيز وحيد الغامدي في مقال له في مجلة اليمامة 30 ربيع 2 /1444هـ 24نوفمبر 2022م ( إن أجمل ما في كأس العالم هو أنه متحف إنساني معنوي متنقل كل أربع سنوات في كل مرة يقول للعالم : أنتم متشابهون، معاناتكم واحدة، أنتم كل في واحد / وواحد في الكل. تلتقي كل أمم الأرض في مكان واحد، ويستمتعون بذات المتعة وذات الفن المشترك، يعيشون لأيام في ذات المكان الطافح بالتنوع فيشكلون بهذا التنوع متحفاً إنسانياً ماثلاً أمام أعينهم .)
مع كل وكامل الاعتذار لشاعر العراق العظيم الرصافي أحور بيته الشعري الجميل ليكون بهذا النحو :
ليعجبنك هتاف القوم للوطن
فالقوم شداة العز في العلن
لقد تعانقت زعامات العالم في قطر عناق ود وسلم وسلام رغم بعض سماجات ثقافات مرتدة عن الفطر الإنسانية ولعل حضور زعامات عربية كبيرة لحفل افتتاح كأس العالم مثل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الرئيس الجزائري والرئيس المصري ورئيس فلسطين وغيرهم كان فعلاً وعملاً شد من أزر قيادة قطر وأميرها تميم وأبرز تباشير عصر جديد من الألفة والاتحاد.
لعلي هنا أستذكر رداً كتبه الدكتور محمد الملحم الوزير السعودي السابق في مقال نشرته الجزيرة على الشاعر مهيار الديلمي الذي تباهى بسؤدد الفرس ودين العرب, وتمنيت لو أن مهيار الشاعر الفخم حياً ليسمع ويرى كيف رد الله مبتغاه.
هنا بعض أبيات من قصيدة الوزير الصديق الملحم :
لكَ يا «مهيارُ» في الشّعْرِ يدٌ
ولنا أيدٍ لَها لمْ تُغْلَبِ
لا تُفاخرْ «أمةَ الضَّادِ» التي
خصَّها الله بذِكْرٍ عربي
وحَبَاها من لدُنْه «المُصْطَفَى»
وكَفَى العُرْبَ النبيَّ اليَعْرُبِي
فسَمُوا «بالمُصْطَفَى» في مشرِقٍ
وسَمُوا «بالمُصْطَفَى» في مَغْرِبِ
قَدْ أضاءَ الكونَ مِنْ أنوَارِهِ
وانْجَلَتْ عنَّا غُيُوبُ الكُرَبِ
لا تفاخرْنَا فإنَّا أمَّةٌ
شَمْسُها منذُ بَدَتْ لَمْ تغْرُبِ
** **
- وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق