ميسون أبو بكر
الثقافة هي المعرفة والعقائد والفنون كما قيم المجتمع وعاداته وتقاليده وسلوك الفرد داخل هذه المنظومة التي لا يتجزأ عنها، بل يعتبر مرآة لها؛ لذلك هناك اختلاف في ثقافة المجتمعات التي تتباين بيئتها وتضاريسها وأحوالها الجوية.
فبيئة المجتمعات تفرض عليهم سلوكيات تختلف من بيئة لأخرى حتى أنها تؤثِّر على تناولهم لأنواع الطعام وأقمشة الملابس وطقوسهم الصباحية والمسائية وممارساتهم خلال أيام الأسبوع وفي العطلات، لذلك يعتبر السفر ثقافة لأنه لا يقتصر على التنقّل من مكان لآخر والاستمتاع، بل اطلاع على الآخر والتأقلم معه.
إن انتقال الإنسان من بيئة لأخرى تقتضي احترامه للمكان وسبر أغواره والتعرّف على ثقافته وثقافة الإنسان، وائتلافه معه قدر الإمكان وخصوصاً إن طالت إقامته فيه لداعي دراسة أو عمل أو علاج طويل، ورغم الاختلاف فالائتلاف مطلب مهم واكتساب الإيجابيات كذلك وإلاّ لما كان للسفر قيمة ولما كتب فيه الرحالة العرب والأجانب فصولاً.
ظلت المجتمعات الغربية لوقت طويل في تصوّرنا نموذجاً مثالياً نتطلع لمحاكاته إلى وقت قريب كشفت الأحداث عن حقيقة وأسرار تلك المجتمعات، أكاد أجزم أن كورونا أهم الأسباب التي كان لها أثرها السلبي على تلك المجتمعات التي سرعان ما استسلمت لآثارها السلبية وانهارت أمام هذا الفيروس الذي كان اختباراً للعالم، بينما صمدت مجتمعاتنا -الخليجية أتحدث- واحتوت الأزمة بكل تطوراتها وآثارها وأظهرت البنى القوية التي تقوم عليها بلادنا.
الجانب الإنساني عنصر مهم لدينا لأنه دعوة إلهية وهو في تفاصيل شريعتنا الإسلامية، وصميم عواطفنا ومشاعرنا، بينما الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان حين نراقبها بعمق نجد أن ذلك غالباً لا يعدو أن يكون شعارات أو في أمور دون غيرها.
على سبيل المثال بينما الكلب يعتبر حيواناً مهماً يعيش في منازلهم ويصطحبونه للمطاعم ويقوم بالتبول -والتبرز- في الأماكن العامة وعلى الأرصفة؛ في الجهة المقابلة يمنعون إطعام الطيور، وقد يطلبون منك مغادرة المطعم إن رميت فتاتة من الخبز لها، بحجج أنها قد تؤذي الناس! وهل (براز) الكلاب -أكرمكم الله - ونباحها ورائحتها لا تؤذي؟
الثقافة سلوك والإنسانية الحقيقية تتجلَّى في الأمور كلها وليس في جانب دون آخر، ولعلنا إن عقلنا كأفراد أن نراعي ما يصدر عنا ويراه العالم اليوم عبر وسائل - السوشيال ميديا- لحققنا أن ننقل للآخر الصورة الحقيقية عن مجتمعاتنا التي أرى فيها الخير.
من سلبيات المجتمعات الأخرى أنها تنظر للآخر بفوقية وأنها الأفضل، وحيث أننا تلاميذ مجتهدون في الحياة نحب أن نتعلّم ونتغيّر للأفضل؛ لذلك تجد المرأة اليوم على سبيل المثال بعد تمكينها واطلاعها على جهد المرأة في الغرب أصبحت عنصراً فاعلاً في مجتمعها في مجالات عديدة منها القيام بأمور أسرتها بنفسها بعد أن كانت تتكل على الزوج والسائق في كل الأمور.
لم أكتب مقالي هذا بحجة المقارنة أو التفضيل أو انتقاد الآخر، بل لأشارك القارئ أفكاراً تولَّدت لدي بعد تغييرات جذرية طرأت على مجتمعات كنا نراها نموذجية وكانت تدّعي المثالية، وكذلك بعد اطلاعي عن قرب على كثير من تفاصيل العالم الغربي الذي وجدت فرقاً شاسعاً بين حياتنا في الشرق ومعه، وأدركت أن واقعه وإن بدا غير ذلك فهو شاق وصعب ومختلف أيضاً. الرياضة وقطر منصة كأس العالم التي اجتمع فيها الناس على اختلاف ألوانهم وثقافاتهم، كانت فرصة أيضاً لتمازج الشعوب ولقاء ثقافات مختلفة والبقية تأتي..