د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
أكثر مُثُل المستثنى في كتب النحو أسماء ظاهرة وقل أن يمثل لها بضمير. وللمستثنى أربع حالات:
الأولى -أن يكون الكلام موجبًا، أي غير مسبوق بنافٍ أو شبهه، وأن يكون مشتملًا على المستثنى منه، وفي هذه الحال يجب نصب المستثنى، نحو: حضر القومُ إلّا زيدًا، وتقول لزيدٍ: حضر القومُ إلّا إيّاك.
الثانية -أن يكون الكلام غير موجب أي مسبوق بنافٍ أو شبهه، وأن يكون مشتملًا على المستثنى منه، وفي هذه الحال يتبع المستثنى في إعرابه المستثنى منه، نحو: ما حضر القومُ إلّا زيدٌ، وتقول لزيدٍ: ما حضر القوم إلا أنت، ويجوز نصب ما بعد (إلّا) على الاستثاء فتقول: ما حضر القومُ إلّا زيدًا، وتقول لزيد: ما حضر القومُ إلّا إياك. فإن كان المستثنى منه منصوبًا استوت المسألتان الإتباع والاستثناء، تقول: ما أكرمت القومَ إلّا زيدًا، فإن شئت أعربته منصوبًا للتبعية أو منصوبًا للاستثناء، وتقول: ما أكرمت القومَ إلّا إياك.
وأما المجرور الظاهر ففيه الإتباع ومثاله قول سيبويه «وما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٍ»(1)، ومثال النصب على الاستثناء قوله تعالى {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء]، وقال سيبويه «حدثنا بذلك يونس وعيسى جميعًا أن بعض العرب الموثوقَ بعربيته يقول: ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدًا»(2). وأما الضمير فليس فيه سوى الإتباع لوجوب استصحاب حرف الجر مع الضمير، قال سيبويه «ولو قلت: ما مررتُ بأحدٍ إلا أنت لم يجز. ولا يجوز (إيّا) أن تكون علامة لمضمر مجرور، من قبَل أن إيّا علامةٌ للمنصوب، فلا يكون المنصوب في موضع المجرور... وتقول: مررتُ بزيدٍ وبك، وما مررتُ بأحدٍ إلا بك، أعدتَ مع المضمَر الباء من قبَل أنهم لا يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة، فلذلك أعادوا الجار مع المضمَر. ولم توقِع إيّا ولا أنت ولا أخواتها ههنا من قبَل أن المنصوب والمرفوع لا يقعان في موضع المجرور»(3).
الثالثة -أن يكون الكلام غير موجب والمستثنى منه غير مذكور ويسمى الاستثناء هنا فارغًا أو ناقصًا، وتكون الحرفان حرف النفي و(إلّا) أداة للحصر، ولا تأثير للحرف (إلا) فيكون ما بعدها بما تقتضيه الجملة، وكثر ورود الضمير بعد (إلّا) في هذه الحال. ومن مثل ذلك قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [144-آل عمران]، وقوله تعالى {هَلْ جَزَآءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [60-الرحمن]. قال سيبويه «وتقول: ما جاء إلا أنا. قال عمرو بن معدي كرب:
قد علمَتْ سَلْمَى وجاراتُها
ما قطَّر الفارِسَ إلاَّ أنا»(4)
ومثال المنصوب قوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [286-البقرة]. وقال سيبويه «وما رأيت إلا إيّاك»(5).
وأما المجرور فمثاله قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} [100-يونس]، وقول سيبويه «ما مررتُ إلا بزيدٍ» (6)، ومثال الضمير المجرور قول المبرد «لأَنَّ الأَصل الرّفْع وَهُوَ الَّذِي لَا يتمّ الْكَلَام إِلّا بِهِ»(7).
الرابعة -أن يكون الكلام موجبًا والمستثنى غير موجود، قال ابن هشام «وَالسَّادِسَة: وَقع الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِي الْإِيجَاب فِي نَحْو {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [45-البقرة]، {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} [32-التوبة] لما كَانَ الْمَعْنى وَإِنَّهَا لَا تسهل إِلَّا على الخاشعين وَلَا يُرِيد الله إِلَّا أَن يتم نوره»(8).
وقد بين ابن مالك من قبل أن النفي مقدر، فعد الإيجاب من قبيل شبه النفي، قال «ومما يتناوله شبه النفي قوله تعالى {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [45-البقرة]؛ لأن المعنى: وإنها لا تخف، ولا تسهل إلى على الخاشعين»(9). وقال «ومن النفي المؤول ... {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [45-البقرة]؛ لأن المراد بالكبيرة هنا الصعوبة، فكأنه قيل لا تسهل إلا على الخاشعين. والحاصل أن المستثنى منه لا يحذف مع إيجاب محض»(10). وليست (على الخاشعين) متعلقة بكبيرة كما توهم بعض المعربين لأن هذا يعاند المعنى.
** __ ** ** __ ** ** __ ** ** __ ** ** __ **
(1) سيبويه، الكتاب، 2/ 311.
(2) سيبويه، الكتاب، 2/ 319.
(3) سيبويه، الكتاب، 2/ 362.
(4) سيبويه، الكتاب، 2/ 353.
(5) سيبويه، الكتاب، 2/ 361.
(6) سيبويه، الكتاب، 2/ 311.
(7) المبرد، المقتضب، 1/ 248.
(8) ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص: 886.
(9) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 2/ 708.
(10) ابن مالك، شرح التسهيل لابن مالك، 2/ 270. وقد ذهب عضيمة إلى ردّ اشتراط النفي وإن تقديرًا متابعًا ابن حيّان في رده قول الزمخشري ومذهب أبي حيان وعضيمة متوقف فيه لأن ال معنى يقتضي النفي.