د.رفعة بنت موافق الدوسري
تقع السياسة عند نقطة تقاطع كل مناحي الحياة، فبها يلتقي علم السياسة بالاقتصاد والدين والتاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والرياضة... وعندها تلتقي كل وجوه التجربة الإنسانية، وهكذا الحال مع أدوات الفاعل السياسي، التي تستثمر كل إمكاناتها في خلق جهاز قادر على التوليف بين عناصر السياق وتحقيق أهداف الساسة.
يمكن اختزال إستراتيجيات الخطاب السياسي في الآتي:
إستراتيجيات لغوية الاختيار
وهي أن يختار المتكلم كلمة مكان أخرى، فيستحضر ألفاظا ويستبعد ألفاظا، طبقا لمقاصده وأهدافه، وهي واسمة ودالة، فتأتي في معارض الأزمات واسمة للخطاب، نحو اختيار الساسة لألفاظ الترهيب أو التحذير أو الطلب والاستغاثة وغيرها، فتحيل إلى أولويات المتكلم وأهداف الخطاب، نحو اختيار المتكلم لصيغة «السلام العادل والشامل كتعبير عن سلام مفروض بغير عدل وشمول، والشرعية الدولية بدل قانون القوة والتفوق الاقتصادي والعسكري، والتسوية السلمية بدل التفاوض وفق الحقائق التي فرضها السلاح».
كذلك تأتي الكلمات المختارة عوضا عن غيرها كاشفة عن نوايا المتكلم ورغباته، ومثال ذلك هذا الخبر الذي نقل عن وزير الخارجية الإسرائيلي (ديفيد ليفي)، إذ أصدر تعليمات إلى جميع العاملين في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي بأن يتوقفوا عن استعمال كلمة (تطبيع العلاقات مع الدول العربية) واستبدالها بكلمة (الجيرة الحسنة)، وأوضح الوزير الإسرائيلي أن لكلمة تطبيع أثرا سلبيا للغاية في العالم العربي، ويرى أنها لا تخدم الهدف الحقيقي للعلاقات الجديدة في المنطقة. وقال إن الحديث عن (الجيرة الحسنة) هو الأفضل، ليس تكتيكيا فحسب، بل لأنه معبر أكثر عن حقيقة أهدافنا وطموحاتنا في المنطقة.
الرمز
ونتاجه الإحالة على المسكوت عنه، وهو تقانة يستثمرها الساسة في معارض التخاطب غير الرسمية وفي البيانات الصحفية وفي المقامات التي تقبل الإثارة وتعدد التأويلات والتحليلات ووجوه التلقي، نحو الرسائل التي يمررها بعض الساسة في مواقع التواصل، فتصبح مادة للنظر والتحليل والتأويل، ومنها استثمار دلالات علامات الترقيم في المتون الخطابية، واستثمار المفاهيم والمصطلحات، واستلهام الشخصيات التي وردت في المرويات التاريخية في خطاب السفير السعودي لدى لبنان على مواقع التواصل.
المعجم أو القاموس
كلمات من نفس الحقل الدلالي تسم الخطاب، وهي واسمة ودالة، نحو اختيار الساسة لألفاظ الترهيب أو التحذير أو الطلب والاستغاثة، فيتضمن الخطاب سلسلة من الكلمات من نفس الحقل الدلالي، وهذا الحشد اللغوي لبعض الحقول الدلالية في الخطاب يستثمره الساسة لإعطاء صيغة تقويمية ضمنية إيجابية أو سلبية.
- إستراتيجيات منطقية
وتتضمن حشد الحجاج العقلي، واستثمار الحقول الحية في إدارة الخطاب السياسي، نحو استلهام الشخصيات، وتوظيف الوثائق السياسية والتاريخية والقانونية والثقافية والعلمية.
- إستراتيجيات نفسية
وهي على نوعين، المرتبط بالأخلاق، والمرتبط بالعاطفة.
يمثل النوع الأول الخطاب الأمريكي إبان الأزمات الدولية، حين تلوح بتطبيق القوانين الدولية على الدول التي تزعم أنها تتجاوز القوانين، أو تهمل حقوق الإنسان، فتشن السياسة الأمريكية حملة خطابية مدارها الأخلاق ومضمونها القوانين، لكسب تأييد المجتمعات الإنسانية والدولية.
يعد خطاب السياسية الأمريكية نموذجا لحضور الأخلاق في خطاب القوة، وتمثل خطابات القادة إبان الثورات والانقلابات حضور الأخلاق في خطاب الضعف.
ويمثل النوع الثاني (المرتبط بالعاطفة) خطابات الكيانات الحزبية، التي تستثمر المجتمعات للتسلق السياسي عبر الحشد الديني الموجه.
وكلا النوعين يجد قبولا لدى الحشود، فتسهل إدارتها، فهذا النوع من البناء الخطابي يفضل مخاطبة الحشود بدل الأفراد، ويقدم علم النفس تفسيرا لهذه الظاهرة، بأن الفرد أذكى من الحشد، وهو قادر على التفسير والتحليل، عوضا عن الرغبة بالانتماء، التي تدفع إلى الانخراط في أفكار الجماعات دون الاستجابة لقوانين العقل.