عبد الله سليمان الطليان
هناك اختلاف كبير بين الكلمة والصورة في إعطاء الحقيقة، هذه الحقيقة التي تشرح الحدث على نحو واضح ودقيق وصادق، في الزمن القديم كانت الصورة مفقودة تماماً، والكلمة هي المسيطرة عبر النقل والتدوين والنشر في الكتب على مستوى كل العلوم والثقافة المختلفة، التي شهدت مع تسلسل الزمن تباينًا في المصداقية بسبب أمور منها النسخ غير الدقيق وكذلك التحريف والتشويه لأهداف عدة مختلفة، يبقى الشعر والأدب بدرجة أقل بعيدًا عن هذا، وخاصة فيما يتعلق علاقة الإنسان بالأرض والكدح على وجهها وجمال منظرها، وسير الحب والغزل والعشق، فإنها تكاد تكون معبرة بصدق عميق، يمكن أن تجنح أحيانًا إلى المبالغة في زيادة الوصف لجذب القارئ أو المطلع.
وزاد وتيرة أثر الكلمة أكثر مع ظهور الصحف والمجلات وكذلك الراديو ونشرات الإذاعات المختلفة التي تعدت الحدود، ولكن الصورة المتحركة غيرت المشهد كثيرًا، فأصبحت الصورة أكثر جاذبية، ومع تنوع مصادرها وصار لها أثر أكبر من الكلمة على الواقع الذي نعيش فيه من الجانب السياسي والحربي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. بطبيعة الحال كان هناك جوانب إيجابية وكذلك جوانب سلبية في عرض هذه الصورة، ولعل أبشع صورة في البداية يمكن أن نقول إنها تمثل الإيجابية الحقيقية في نقل الصورة هي صور الاستعمار والحرب العالمية الأولى والثانية وحجم المأساة والكارثة التي دفعتها البشرية، نقول هذا في بداية تطور الصورة مع أنه كان هناك صور في تزييف الحقيقة عبر الدعاية الإعلامية وخاصة في العهد النازي والشيوعي، ومع تعاقب السنوات وتطور الوسائل الإعلامية المختلفة التي تنقل الصورة المتحركة أو تعرضها عبر قنوات هي في متناول المشاهد في كل مكان على وجه الأرض، تجد أنها في الغالب تحاول بشتى الطرق الاستحواذ على تفكيره ونمط حياته وجذبه بقوة وتسييره وفق أهدافها في التوجيه الفكري أو الاستهلاكي. ولعل الجانب الاجتماعي والثقافي هو الأبرز في عصرنا الحاضر في مقدار الأثر السلبي، ويمكن أن نضرب المثل الذي هو الشغل الشاغل للواقع الأمريكي من حيث انتشار جريمة القتل، التي جاءت بفعل المنتج السينمائي الذي يعطي حافزًا كبيرًا لارتكاب الجرائم وتعاطي المخدرات من خلال المحاكاة والتقليد، فمع ارتفاع ميزانيات الإنتاج للأفلام وارتفاع نسبة المشاهدة وتحقيق أرباح مادية عالية، إلا أنها زادت من وقوع الجريمة وخاصة القتل، فالصورة تنقل كيفية الخطط لارتكابه، وتصوير مرتكب القتل على أنه بطل وشجاع.
لقد أصبح للصورة وقع خطير في عصرنا، لأنها تأتينا الآن بشكل احترافي ومدروس غيرت الكثير من واقع المجتمعات وأدخلتها في صراع داخلي في ثقافتها، والثقافة التي تصل إليها من الخارج، لأن المتابعين هم بأعداد هائلة يلاحقون الصورة الجاذبة في كل وقت جعلتهم في شراهة ونهم لا ينقطع من خلال الهاتف الجوال.