عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر منهج «المعاملة بالمثل» مصطلحاً شائعاً ومطبقاً بين الدول في التعامل بينها فيما يخص الفيز والتجارة والإعفاءات الضريبية وغيرها من المعاملات، وقد يكون تطبيقه بعدالة سهلاً وواضحاً دون لبس، ولكنه في علاقاتنا الشخصية، نجد صعوبة بالغة في تطبيق هذا المصطلح لوحده دون اعتبارات أخرى، لأن المشاعر وردات الفعل وحالتنا المزاجية تؤثر في ذلك، لاسيما أن بعضنا يجيد فن العتاب واللوم الدائم، ويجد المبرر لتصرفاته، وخلال تجاربنا المختلفة، نجد أن أكثر الأشخاص عتاباً ولوماً وتدقيقاً على كل شيء، هم من يجيدون ويبررون لأنفسهم التصرفات التي يقومون بها ويجدونها عادية ولا توجب الزعل، ونجد أنفسنا في معضلة بين أن نعاتبهم أو نعاملهم بالمثل، وأعتقد أن اختيار الطريقة هذه أو تلك يحددها عدة عوامل منها حالتنا النفسية والصحية والاجتماعية والمالية المصاحبة عند اتخاذ القرار، رغم إيماني بمقولة الممثل الكوميدي الإنجليزي تشارلي شابلن «العتاب أسلوب قديم، المعاملة بالمثل أجمل»، وأرى أن أجمل العتاب الذي يمكن أن نقوم به ويؤثر في علاقاتنا، هو «عتاب النفس» أولاً بأول ومراجعة ما قمنا به من تصرفات وتجاوزات وأخطاء في حق من نعزهم ونعاشرهم، وتعديلها وتقويمها، دون انتظار تنبيه أو عتاب منهم، خاصة أن عند معاتبة الآخرين، وعدم تغيرهم أو تعديل خطئهم، سيؤدي إلى القطيعة، فليكن عتابنا لأنفسنا هو المنهج المتبع، يقول الشاعر الفارس الصحابي لبيد بن ربيعة:
ما عاتَبَ الحُرَّ الكَريمَ كَنَفسِهِ
وَالمَرءُ يُصلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ
لذا يقال من الحكم أو المقولات الشهيرة المنقولة، عن معايير العلاقات السعيدة السوية ذات المنهج لتأسيس صداقة أو زمالة متوازنة صحية في حياتنا هي: «جاور من يشبهك، وحاور من يحترمك، وشاور من يحبك، وإياك وصحبة اللئيم، فإن الفضل معه عقيم، واتخذ من الطيبين خلاناً، يجازوك الإحسان بالإحسان»، مع التأكيد على أثر الصحبة ومن حولنا في تهذيبنا والارتقاء بنا، تأكيداً على حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة»، متفق عليه.
خاتمة: لنأخذ من منهج المعاملة بالمثل، المعيار الإيجابي المتوازن من خلال رد المنفعة والمعروف والخير، وعند رغبتنا في تجاوز الضرر أن نبتعد عن العتاب، لأنه مع تجارب السنين والعلاقات ضرره أكثر من نفعه، وكما يقال «الحر تكفيه الإشارة» حتى يعرف خطأه، دون عتاب، فإما أن نسامح ونتجاوز أو نبتعد، فكفة العتاب لن تجدي نفعاً في كثيرٍ من الأحيان، ولنطبق ميزان المعاملة بالمثل، مع أهمية عتاب النفس لتغييرها للأفضل، يقول جبران خليل جبران «الابتعاد أرقى من العتاب».