د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
هذا عنوان رسالة أسعدني بها زميلي أخي صديقي أبوزكريا صالح بن سليمان الحجي، ويشرفني أن أورد رسالته هنا:
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فقد شرفت بتسلم نسخة من كتاب (أبو أوس إبراهيم الشمسان) الذي أعده أبناء أبي أوس، وتفرغت لتقليب صفحاته وإمتاع ناطري بمحتواه فوجدت ما بين يدي عملًا رائعًا شكلًا ومضمونًا، ولم تك ثمة غرابة! فالشمسانيون الذين أتحقونا بهذا العمل المبارك -إن شاء الله- هم فضلاء يحيطهم الوفاء من كل اتجاه فبقدر الوفاء الذي قدمه أبو أوس لآخرين كثر هاهم أفراد أسرته يضربون أصدق برهان على الوفاء لعَلَم فيهم استحق أن يُفرد له كتاب سيرة لرجل فذ سطع نجمه في سماء الساحة الثقافية واشرأبت الأعناق لتنظر إليه فدنا بتواضعه من أحبابه ومريديه ليروه ويراهم عن قرب، متبسطًا غير متعال، ولم يأبه بعلو مكانته العلمية ولم يحجبه عن المحيطين به سمو تلك المكانة.
تحية إجلال وتقدير واحترام لأم أوس وأبنائها حين فطنوا لما غفل عنه الكثيرون فأعدوا عن أبي أوس هذا العمل العظيم الذي سيخلُد -بإذن الله- ويخلِّد الأسماء التي كَتَبت أو كُتبت عنها هذه السيرة العطرة.
أمد الله في عمر أبي أوس وعمر أم أوس على خير ما يطول به عمر مسلم من رضا الله وطاعته وأثاب أبناءهما بما يجازى به البارون بوالديهم، وجزى الله بالخير كل من سطرت أياديهم مواد هذا الكتاب. اللهم آمين.
حرر في مساء الاثنين 4/5/1444هـ، وكتبه محبكم أبو زكريا صالح الحِجِّي».
كنت في مدرسة اليمامة الثانوية، أنتهز الفرص بين الحصص الدراسية لأقف أمام الصحيفة المدرسية التي يحررها طالبان هما صالح الحجي ومحمد أبا حسين، لم تكن الموضوعات المنشورة، على أهميتها، ما يجعلني أقف طويلًا أمامها بل الخط الرائع الذي كتبت به الموضوعات عنواناتها ومتونها، آية من الجمال، ولم يتيسر لي معرفة المحررين ولكني لما التحقت بكلية الآداب أكرمني الله بمزاملة أبي زكريا في السنة الأولى وهي سنة عامة قبل السنوات الثلاث التخصصية بعدها، وفي هذه السنة لفت انتباهي جمال خط زميلي أبي زكريا في دفاتره التي يدون عليها ملحوظاته، فبينت له عشقي للخط العربي وما كان من وقوفي أمام الصحيفة، فقال إنه هو من كان يخطها.
أكمل أبوزكريا دراسته في قسم التاريخ، وأكملت في قسم اللغة العربية؛ ولكنه من الزملاء الذين استمرت صلتي بهم، بل صرنا أصدقاء فعرفته وعرفت أسرته، والديه -رحمهما الله- وأخاه عبدالله الخطاط المبدع رحمه الله، وعرفت أخويه عليًّا ومحمدًا، وكان أن رحلنا معًا لزيارة أهله في الدوادمي ثم أهلي في المذنب وأخواله في البدائع.
كان من بين نشاطات اللجنة الثقافية في الكلية إجراء مسابقة في الفنون المختلفة منها الرسم والخط، فتجرأت في المشاركة في الرسم، أما الخط فلم أفكر في ذلك لعلمي أن خطي خربشات إلى جانب خط أخي أبي زكريا. وبعد تخرجنا في الكلية عين في المكتبة في قسم المخطوطات وعينت معيدًا في قسم اللغة العربية. وتجد جمال خط أبي زكريا الرائع ظاهرًا على عنوانات فهارس المخطوطات وفي الملصقات التعريفية. زرته يومًا في مكتبه أستكتبه عنونًا للكتاب الذي أعده وهو (الشاذليات) وكتبت في العنوان الشارح «أبحاث مهداة إلى الأستاذ الدكتور حسن الشاذلي فرهود»، توقف أخي أبوزكريا في (الشاذلي) وقال لعلها (شاذلي) ولكني أصررت على ما كتبت، فلما طبع الكتاب واطلع عليه أستاذنا غضب لهذا التحريف، وقال اسم والدي (شاذلي) ولام من فعل ذلك؛ ولكنه رجع عن لومه حين اعترفت له بأني من أخطأ، وقد أزلت (ال) من غلاف النسخة الإلكترونية.
ومن طرائف ما أخبرني به أبوزكريا أول اشتغاله بقسم المخطوطات أنه زاره شيخ جليل يلبس غترة يحرص أن يضعها خلف أذنه لثقل في سمعه، رحب به أبوزكريا ودعاه للجلوس، فقال له إنه من المهتمين بالمخطوطات، فأخذه أبوزكريا في جولة على المخطوطات حتى اكتفى من مشاهدتها، أجلسه ليكرمه بتقديم الشاي ونحوه إليه، وخطر بباله أن يسأله عن اسمه فسأله، فقال الشيخ: أنا حمد الجاسر. قال لي أبوزكريا: دارت الدنيا بي ولم أعرف ما أفعل، ورحت أعتذر للشيخ من أنّي لم أعرفه وأني لم أفه حقه من الاستقبال والحفاوة، ولكني والله يعلم أنجزت كل ما تقتضيه الزيارة.
أصبح أبوزكريا خبيرًا بالمخطوطات خبرة أهلته للتحدث عنها في الندوات والإذاعة، منها سلسلة نشرها في كتاب «رحلة إذاعية في عالم المخطوطات العربية» عام 1428هـ/2007م، وكتب المقالات وألف الكتب منها «الثمر الينيع في إجازات الصنيع»، نشر الكتاب في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (1431هـ/ 2010م)، وكتاب «الجانب العلمي في سيرة الشيخ سليمان الصنيع: 1323هـ- 1389هـ» نشرته مكتبة العبيكان في 1438هـ/ 2017م.
تحية من القلب وشكر لأخي أبي زكريا -حفظهما الله-.