الثقافية - حاورته - مسعدة اليامي:
نلتقي اليوم على ضفاف «الجزيرة الثقافية» مع جديد مع الروائي إبراهيم المكرمي حتى يحدثنا عن عمله: «وقعة الباب العلا»، تقع الرواية التي ستشارك في معرض جدة الدولي للكتاب في 191 صفحة، تناول خلالها قضايا شائكة عن التنمر والتطرف والانتصار لذات متخيلة بواقع اجتماعي بسيط، ثم عكس ذلك في قالب مؤلم يفقدك الشعور والمنطق بتحليل ذلك الوجع الذي دفع بطفل إلى السجن.
الحوار في الرواية كالرياح التي تدفع البحر إلى الأمام، وقراءة الرواية قد تكون ما بين المد والجزر.
* رواية وقعة الباب العلا من أين ابتدأت وكيف انتهت؟
كتبت الخطوط العريضة لهذه الرواية قبل أربع سنوات ودخلت في جدية إنهائها قبل سنة ونصف السنة تقريباً، وأخذت مني جهداً كبيراً.
* ماذا كان خلف ذلك الباب من رمزية حول المشكلات الاجتماعية التي ربطت ما بين القديم والحديث؟
ليس صحيحاً بأن الماضي لا يعني شيئاً، إن لم يكن في أحيان كثيرة هو كل شيء تقريباً، فما تولده أخطاء الماضي قد يتسبب في بؤس أحد في الحاضر أو المستقبل.
* ماذا تعني لك الكتابة الروائية وماذا تأمل أن تقدم عبر ذلك المضمار العميق؟
طموحي بألا أكون نصف اسم أوجدته الصدفة في الأدب وانتهى به المطاف منسياً.
* أسلوبك في الرواية تقريري مؤلم ما سبب ذلك؟
أحظى بأسلوب خاص في الكتابة وأنفي تهمة التقرير أو السرد المفرغ من الأوصاف والمشاعر.
* هل اعتمدت في طرح فكرة الرواية على الثقافة الشفاهية التي تعتمد على السرد من قبل شرائح المجتمع أم تعايشت مع صلب القضية؟
الرواية في المقام الأول أدب تخيلي غير حقيقي بطبعة كما أننا نمنحها صبغة بشرية لتحاكي واقعنا، لا شك أن تجربة الكاتب تعني شيئاً ما في العمل ولكنه لا يعطى أكبر من حجمة عوضاً عن الغاية من الرواية.
* تنوع الأماكن بالنسبة للبطل إلا أن المدرسة والتنمر على ذلك الطفل من قبل المدرسين قبل الطلاب يأخذ جانباً من الحساسية لقدسية التعليم والتربية فإلى ماذا كنت ترمي؟
وما الحساسية بأن يكون التنمر صنعية أكبر من الفرد والبيت والمجتمع وبأن التعليم في وقت ومكان ما هو من يبرر التنمر ويمنحه الصيغة المقبولة والمحمودة من صاحبة بدلاً من أن يحاربه، ولو نظرنا في التاريخ البشري سنجد التعليم في بعض أقطار العالم كان أداة للإقصاء والتنكيل باسم الأيدولوجيات والعرقيات والأديان.
الطفل في واقع الأحداث رمز البراءة.
* ربما يكون التعليم رمزاً يتضح من خلاله قلة المعرفة عند العامة بالثقافة الدينية ماذا تقول عن ذلك؟
الرمزية بأن التطرف قد يحول جسد الطفل إلى ساحة معركة له، ولا شيء مما سيحدث باسم التطرف يتوانى في تدمير هذا الكائن، فالتطرف ليس كما أفهمنا بأن ضرره على نفسه، بل حتى على الإنسانية والبراءة جمعاء.
* كشفت كيف يكون الصراع بين أبناء الطائفة الواحدة ما الأفكار التي تريد أن يفهما القراء من ذلك رغم أن مثل تلك المواضيع طرحت في أعمال روائية أخرى مثل رواية فئران أمي حصة لسعود السنعوسي؟
الانتصار للذات والمصالح لن يتوانى في أن يقدم نفسه على شكل سامٍ أو متواضع أو رجل دين طالما أن ذلك سيحقق المراد، والتطرف لاملة له سواء بين الطوائف أو أبناء الطائفة الواحدة.
* الضرب، الفال، الودع، قراءة الفنجان، النجوم، الفلك من الفطرة إلى العلم والمعرفة ألا ترى أن الناس أفئدتهم تهيم بمثل تلك الخرافات سواءصدقت أو كذبت أم أن لك وجهت نظر أخرى؟
البشر بطبعهم يبررون الوهم ويحبونه نظراً لانعكاساته النفسية التي تميل للبهجة والاطمئنان في المقابل يكون العلم شكلاً من أشكال الحقيقة، والحقيقة في ذاتها صلدة، قاسية لا تأبه بالنفس البشرية، لذلك العامة من الناس يفضلون ممثلات الوهم كالفال والتنجيم على المعرفة الحقيقية.
* ذكرت أن رجال الهضبة لا يأخذون برأي المرأة، فهل ما زالت تلك الثقافة قائمة أم تغيير الوضع وإن تغيير فإلى أي مدى ترى ذلك؟
في تلك العوالم التي صورتها الرواية فإنني أرى بأنها ستبقى وأقصد المرأة بلا صوت مدام هناك من يبرر قمعها باسم الدين والعادات والتقاليد، والقمع أحياناً يكون بسوط المرأة نفسها أن تطلب الأمر ذلك.
* عندما أفضيت من الباب الذي صنعه اليهودي وأبدع لماذا قابلت ذلك بسياط من الجحود والنكران والكبرياء أم أن طبيعة البشر التي تتعالى على الطين الذي خلقت منه؟
في عالم الهضبة مهما بدا لك الإنسان محباً لهدف ما فإن حقيقته لا تتجاوز ظروف الطبقية والاستنقاص من الآخرين، لأن كان يرفض ذلك فإن المجتمع يقبله ويباركه.
* هل على الكاتب أن يضع قالب الواقع كما هو أم أن عليه أن يخفف ذلك برشة أدبية تذيب الجليد وتحبب الليل لقراء السرد؟
الرواية ترتب الواقع المتخيل وتهذبه وتعيد تقديمه على هيئة إبداعية يتقبلها الإنسان ويستفيد منها وأفضل بمراحل كثيرة مما لو قدمنا الواقع مجرداً من اللمسة الأدبية.
وضعتنا ما بين المنطق واللا منطق، والشعور واللا شعور، والأخلاق واللا أخلاق ألا ترى أن هناك من ينادي بالتعايش ما بين الأديان المختلفة فما رأيك في اختلاف المذاهب التي ترجع إلى دين واحد عندما تطرح مثل تلك المواضيع بالسرد؟
الاختلاف سنة بشرية لن تنتهي، ولكن لو قدمنا المشتركات على الاختلافات فإن كثيراً من التنافر لم ولن يكون، ولكن التطرف ليس في الأديان فقط بل حتى في الأفكار لا ينظر إلى إلغاء الآخر وهذا ما لا تريده الإنسانية وقيم ديننا السمحة.
*الصورة التي أردت أن تريها هل هي الانتصار للذات والمصالح الشخصية وذلك قد يكون فعلا موجودا في أغلب الأمور أم أن هناك صورة أخرى؟
عندما نلبس الدين والعادات والتقاليد عباءة الانتصار للذات فإن النتيجة دائماً تكون وخيمة ولا يحمد عقباها، لذلك هذه من أهم سمات الرواية في نظري والتي تقدم لنا درساً يجب ألا تمر دون أن ندركها.
أوقعت الباب على أفئدة الكثير فألمت، فأنت تصنع الألم وهل روايتك جزء من سيرة ذاتية تخصك أو تخص شخص تعرفه؟
وما قيمة الرواية والأدب أن لم تصف لنا تلك الآلام التي حطت بأهلها وأهلكتهم، والرواية قصة متخيلة ولا علاقة للواقع بها.
* القرى لا تزال تطرب للفن الشعبي الذي يحاكي حواسها، أتعتقد أنها لن تتقبل الفنون الحديثة كالسينما والحفلات الغنائية بعدم الحضور مثلما كسر المطرب الشعبي داخل الرواية العود؟
في عالم الهضبة لا شك بأن الفن من المعيبات برغم أن الناس تتوحد تحت أنغامها، وهذا كان سبب بؤس المغني.