د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تؤكد السعودية دائماً أنها لا تستهدف أسعاراً أو نطاقات سعرية معينة للنفط، وإنما هدفها دائماً استقرار السوق وتوازن العرض والطلب لصالح المشاركين في السوق والصناعة البترولية، ففي مقابلة لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان مع إنرجي إنتلجنس في 7 سبتمبر 2022 دافع عن قرار خفض أوبك 100 ألف برميل نفط يومياً في شهر أكتوبر هو تعبير مسبق عن استعداد أوبك لاستخدام كل الأدوات لديها.
بالطبع اتجهت أوبك إلى تخفيض مليوني برميل في أكتوبر في بداية نوفمبر 2022 لمواجهة الركود القادم الذي تنخفض فيه الأسعار نتيجة الانخفاض على الطلب على النفط وللسعودية تجربة بين عامي 1981 و 1985 عندما هبطت إيرادات السعودية بشكل حاد على خلفية التراجع القوي لأسعار النفط، حيث كان متوسط سعر البرميل نحو 36 دولارا ليهبط إلى نحو 14 دولارا، لحق هذا الانخفاض هبوط حاد بالإنفاق الحكومي إلى 52 في المائة، كذلك قبيل الأزمة الاقتصادية في 2008 كانت الأسعار وصلت إلى 149 دولارا، لتهبط معها الأسعار، وعام 2016 لن ينساه التاريخ النفطي وهو أقل متوسط منذ عام 2004، بسبب ضعف النشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة الرئيسية المستوردة للنفط.
ورغم ان إدارة الرئيس بايدن سحبت في مارس 180 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي الذي لا يستخدم إلا في فترة الحروب لخفض الأسعار، لكن لم تحقق هذه الخطوة ما أراد به بايدن، جعله يتجه إلى زيارة السعودية في يوليو التي غلبت فيه الولايات المتحدة مصالحها على حقوق الإنسان التي تدعيها تجاه السعودية للحصول على تنازلت في ملفات عديدة تصب في صالح الولايات المتحدة، وعندما لم تستجب السعودية لبايدن في ملف النفط من أجل رفع الإنتاج، لأن السعودية تقود أوبك بلس لأسباب اقتصادية وليس لشيء آخر كما تدعي الولايات المتحدة، عندها حاولت الولايات المتحدة تحريك قانون نوبك في مجلس الشيوخ في 18 أكتوبر من أجل الموافقة على تشريعات مناهضة لأوبك، لكن لم تتم هذه الخطوة بسبب عدم موافقة الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين، لأن السعودية أيضا لديها خيارات متعددة يمكن ان تواجه هذا القانون، فاتجه بايدن إلى سحب 15 مليون برميل إضافي من الاحتياطي الاستراتيجي، في 19 أكتوبر.
لا تتحمل السعودية أخطاء إدارة بايدن حيث كانت تنتج الولايات المتحدة في عهد ترمب ما بين 14-15 مليون برميل من النفط يمكن ترتفع إلى 18 مليون برميل منذ اليوم الأول لدخول بايدن البيت الأبيض ألغى كل العقود التي أبرمتها إدارة ترمب للتنقيب عن النفط، وألغى إمدادات خطوط تبنى من ألاسكا إلى أمريكا، وألغى خطوط تبنى من كندا إلى تكساس، ما جعل الإنتاج ينخفض إلى 11 مليون برميل بحجة أن أنه يضر بالبيئة، فارتفعت جميع الأسعار فارتفع مثلا جالون البنزين من 2 دولار في عهد ترمب إلى نحو 4 دولارات أو أكثر في بعض الولايات، وهو الضعف، كذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية، فجالون الحليب من 3.6 دولار للجالون إلى 6 دولارات، وكذلك البيض ارتفع الطبق من 3.75 دولار إلى 6 دولار، فارتفاع الأسعار تؤثر على الفئات محدودي الدخل، لكن في الحقيقة ما أقدم عليه بايدن مجاراة أوروبا من أجل مرحلة جديدة لوقف التنافس الصيني في أوروبا على حساب الولايات المتحدة الذي يحجم مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل.
تمسكت أوبك بلس بخفض الإنتاج الذي أقرته في أكتوبر في اجتماعها الافتراضي يوم الأحد 4 - 12 - 2022 من اجل استقرار السوق النفطي العالمي قبل سريان حظر الاتحاد الأوروبي للخام الروسي وفرض مجموعة السبع حدا أقصى لأسعاره اعتبارا من 5 - 12 - 2022، ولم يكن القرار مفاجئا بل نتيجة معاناة الدول المنتجة مخاطر نزولية بسبب احتمال ضعف النمو الاقتصادي العالمي وسياسة صفر كوفيد الصينية.
اعتبرت روسيا على لسان المتحدث باسم الكرملين دمتري بيسكوف أن موسكو لن تعترف بأي أسقف، واعتبر أن وضع سقف سعري يعمل على اضطراب أسواق الطاقة عالميا وقد تؤدي كذلك إلى رفع الأسعار، وهو أمر ليس بالسهل، بسبب أن أوبك بلس تضم أكبر منتجين هما السعودية وروسيا، ويضم العالم أكبر مستهلكين هما الصين والهند، ولم تعتمد أمريكا على النفط الروسي، فيما تصدر روسيا إلى أوروبا نحو 3 ملايين برميل يوميا، وقد رفضت المجر والشيك وسلوفاكيا سقف الأسعار، وفي نفس الوقت تمتلك الصين والهند احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة المستخدمة في سلع الطاقات المستدامة مثل الكوبالت والليثيوم.