سلطان المهوس
سقطت البرازيل للمرة الخامسة على التوالي في فخ الفشل العالمي مسجلة صفحة مرارة جديدة قتلت حلمها للحصول على كأس العالم الذي تطارده منذ 2006 ، وبصم
المنتخب الكرواتي على خروج مؤلم لكتيبة السامبا في ملعب المدينة التعليمية الجمعة، 09 ديسمبر 2022 .
مرت أجيال وجاءت أجيال وساحرة الكرة تبحث عن من سحرها وشلَّ قدراتها العالمية طوال سبعة عشر عاماً مضت!
قبل البرازيل خرجت ألمانيا بشكل مذل ولحقت بها إسبانيا وبلجيكا وهولندا، والبرتغال رغم الإمكانات والاحترافية والمدارس والأكاديميات، ومنظومة التاريخ الكروي!
أما عن مهد كرة القدم «إنجلترا» فما زالت تلهث وراء سراب بطولة حققتها عام 1966 م ورغم أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أول اتحاد وطني للعبة يتم تأسيسه في التاريخ، عام 1863, فإن خيبات الإنجازات القارية والعالمية الصفرية لا تتوازى مع عطاءاته للعبة وتدريسه للتحديثات الاحترافية, لكنها كرة القدم!
هناك من لا يرى سوى الفوز فقط كنتيجة نهائية لخلق مساحة الرأي والانتقاد، دون النظر لحقيقة لعبة كرة القدم وشواهدها وخداعها وأحياناً ظلم من يقودونها، وينسى أن البطل في النهاية واحد وأن كرة القدم -قد- لا تنصف الأفضل والأقوى دائماً!
لاعبو البرازيل يملؤون الملاعب الأوربية كمحترفين فهل يعني ذلك أن احتراف اللاعبين في أعرق ملاعب كرة القدم لا يطعم جائعاً كروياً..؟!
أخفقت إسبانيا فهل ستحل اللعنة على خططها ومدارسها واتحاد الكرة الإسباني الذي يملك أحد أفضل الدوريات العالمية؟
السياق نفسه مطروحاً في ألمانيا..
الانطباعات الجماهيرية عند الإخفاق قد تكون متشابهة عالمياً نظراً للكم الهائل من المخزون العاطفي لديها، وهو أمر طبيعي جداً ، لكن عامل الاتصال المغذي لتلك الانطباعات يبقى بيد دائرة التأثير والتي تحدد مسار وأسلوب وهوية الانطباعات وجعلها قناعة جماعية راسخة، ومع اتساع دائرة الإعلام عبر وسائل التواصل السريعة، فقد أصبح التأثير قوي السرعة لترسيخ مواطن الإخفاق ومسباباته حتى مع وجود هامش كبير لتفنيده، حيث إن عدم الاستجابة للمزاج الشعبي العاطفي يبقى مغامرة أو محل اتهام بالمجاملة أو التعصب ولذلك يبقى الرأي الموضوعي والتحليل الرقمي للإخفاق غير مرحب به فلا بد من ضحايا.
في كأس العالم 2022 دروس مجانية لفهم طبيعة منافسات كرة القدم فالفائز في النهاية «منتخب واحد» فهل ستكون كافة المنتخبات الأخرى فاشلة..؟!
محددات الفشل الكروي لا تخضع للمزاجية أو التكييف، بل لفهم طبيعة كرة القدم أولاً، حيث ليس كل خاسر يستحق خسارته, على اعتبار أنها لعبة بشرية خالصة, تتداخل فيها الظروف والإصابات والأخطاء الفردية وأخطاء الحكام, وليس الخروج من بطولة يعني نهاية، بل الوقوف على الواقع والعودة مرة أخرى وإلا لكان الإنجليز هم أفشل عالم كروي على اعتبار أن منتخبهم لم يحقق أي منجز قاري أو منجز عالمي منذ 1966م! فهل هم كذلك؟ هل لاعبو إنجلترا فاشلون على مر التاريخ؟
عندما أوقعت القرعة منتخبنا السعودي مع الأرجنتين وبولندا والمكسيك, في دور المجموعات كان الانطباع سلبياً ويسير بعدم قدرة المنتخب على تجاوز المجموعة دون النظر لأي تشكيلة عناصرية سيدخل فيها الفرنسي ايرفي رينارد, وكان التشكيك الأكبر في عدم قدرة الصقور الخضر على إيقاف الأرجنتين بقيادة ميسي في أولى مباريات المونديال, لكن الذي حدث كان زلزالاً بملعب لوسيل بقطر، حيث انتهى اللقاء بفوز تاريخي سعودي بهدفين لهدف!
أمام بولندا قدَّم الأخضر كل شيء لكن خانه الحظ والظروف والقسوة - يحصل كثيراً- فقائده سلمان الفرج ومحركه النفاث الأيسر ياسر الشهراني خارج التشكيل للإصابة, ورفض الحكم البرازيلي ويلتون سامبايو, طرد البولندي ماتي كاش مرتين، إحداها في الشوط الأول، والثانية في الدقيقة 45! ليخرج الأخضر خاسراً بهدفين للا شيء -أضاع الدوسري سالم ضربة جزاء - ..!
في المباراتين يمكن بالأرقام أن تبصم على الإيقاع التاريخي التكتيكي والتكنيكي للاعبي السعودية، فعدد التمريرات في مباراة الأرجنتين بلغ 264 تمريرة، بدقة تمرير 67 %, فيما بلغت نسبة الاستحواذ السعودي أمام بولندا 64 % وعدد التمريرات الصحيحة 456 تمريرة من أصل 537 , فيما بلغت تمريرات بولندا 297 منها 228 صحيحة!
في مباراة المكسيك الأخيرة دخل الأخضر مفتقداً لخمسة من عناصره التي يتكئ عليها ورغم ذلك قاوم وقاوم حتى النهاية التي شهدت خروجه خاسراً بهدفين لهدف..!
قبل المونديال كان هناك قلق شديد من مشاركة مخجلة وبعد الفوز على الأرجنتين ارتفع سقف الطموح الجماهيري الطبيعي ولاسيما أن المستوى الفني كان عالياً, وكأن الأهداف تغيرت والتوقعات انقلبت, ولذلك نتساءل: هل الخلل في التوقعات أم في عدم فهم طبيعة وقدرة اللاعب السعودي؟
برأيي: الواقع والأرقام أكدا حقيقة مذهلة في مونديال 2022 أن الكرة السعودية تستطيع أن تخلق ديمومة حضور قاري وعالمي رائع ودون انقطاع فمن شاهد مباريات الأخضر في المونديال داخل الملاعب, فقد استمتع بالأداء الاحترافي المتطور بعقلية اللاعب السعودي وقدراته البدنية «تمريرات - سرعة - التحامات - افتكاك - ثقة - لعب جماعي - تحرك مرتب - هيبة فنية» بعيداً عن خسارتي بولندا والمكسيك, لأن المشاهدة بالملعب تكشف تماماً حجم «الجودة» الفنية والتكتيكية للاعبين, وهو الأمر الذي يمكن أن يصنف بأنه الأعلى قفزة لقدرات اللاعبين السعوديين بعد مونديال 1994 .
كانت تجربة مونديالية مذهلة جداً, علينا التمسك بكافة إيجابياتها الأساسية وجعلها نقطة التحول الكبرى لمسيرة الأخضر، حيث الإيمان المطلق بقدرات اللاعب السعودي إذا ما وجد الاستقرار التدريبي والإداري وقبل ذلك ثقة مطلقة بأن كرة القدم - أحياناً- غير عادلة لذلك لا تقسو على صقورنا.. أعطوهم الثقة والدعم وسيعطونكم كل شيء.. الأرقام تنصفهم.