عبدالوهاب الفايز
تضمن (إعلان الرياض) الصادر عن قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية الجمعة الماضية، أمورًا حيوية لبناء الشراكة الإستراتيجية بين الصين والعالم العربي. ولعل من أبرز تلك الأمور هو تبني جهد صيني عربي لمحاصرة مهددات الأمن والاستقرار في المنطقة. فالجانبان العربي والصيني أشارا في إعلان الرياض إلى إيمانهما المشترك بـ(أن الاستقرار والازدهار صنوان لا يفترقان فلا سلام حقيقياً دون تنمية مستدامة، ولا تنمية وازدهار دون أمن وسلام واستقرار).
هذه القناعة المشتركة بضرورة الأمن تحتاجها دول المنطقة وربما حاجة الصين لها أكبر وأهم. فالمشاريع الكبرى الطموحة للصين مثل (مبادرة الحزام والطريق) تحتاج مساهمة وشراكة الدول العربية لإنجاحها، فالمنطقة ممر إستراتيجي للتجارة الصينية، كما أن الدول العربية تعد من الاقتصادات الناشئة التي توفر سوقاً للسلع والخدمات. أيضاً الصين يهمها استقرار إمدادات الطاقة من المنطقة حيث تستورد نصف احتياجاتها، وهذا يتطلب استقرار الأمن. لذا، فالأمن مسالة ضرورية للشراكة التي تتطلع إليها الدول العربية مع الصين. ومع الأسف إننا أصبحنا أمام حقيقة مرة، فإيران وإسرائيل يعدان أكبر مهدد للأمن القومي العربي، بتدخلاتهما بالشؤون الداخلية والأطماع التوسعية الهدامة وامتلاك ونشر الأسلحة النووية.
وقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، يوم الأحد 11 سبتمبر 2022 في مؤتمر السياسات العالمي بأبوظبي، أن «فشل الاتفاق النووي مع إيران سيدخل المنطقة في مرحلة خطيرة جدّاً وإن الاستقطاب آخر ما يحتاجه العالم في الوقت الراهن».
ولا ننسى في هذا المقام ما قاله عالم الاجتماع السياسي الإيرانى علي شريعتي قبل أربعة عقود حول استثمار المشروع الصهيونى في المنطقة للتشيع الصفوي، فما قاله نراه الآن يتحقق. إيران حققت لإسرائيل ما كانت تحلم به، تدمير العراق وسوريا وتخريب لبنان ومحاصرة الخليج العربي بمشاريع التخريب والإرهاب، وتصدير مشروع الطائفية السياسية.
وبالتالي ينتظر من الصين، استنادًا لشراكتها الإستراتيجية مع الدول العربية، أن تتفاعل كقوة عظمى واستخدام نفوذها على إيران لكي تحترم وتقدر مصالح شعوب المنطقة وتلتزم بأخلاقيات ومبادئ الإسلام التي تعظم حقوق الإنسان، وتعظم حقوق الجار. والتهديدات الإيرانية لأمن المنطقة العربية تضعها دولها في أولوياتها، وهذه الأولوية تستحق وقوف الصين معها كما التزمت الدول العربية على دعم موقف الصين من تايوان وهونج كونج، وهو ما نص عليه بيان الرياض الذي أعاد (التأكيد على التزام الدول العربية الثابت بمبدأ الصين الواحدة، ودعمها لجهود الصين في الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها، والتأكيد مجدداً على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ورفض «استقلال» «تايوان بكافة أشكاله، ودعم الموقف الصيني في ملف هونغ كونغ ودعم جهود الصين لصيانة الأمن القومي وتنمية الديمقراطية واستكمالها في هونغ كونغ في إطار دولة واحدة ونظامان». وتقدير الجهود المهمة المبذولة لرعاية الأقليات في كلا الجانبين العربي والصيني).
وأكثر جانب يقلق شعوب المنطقة والمجتمع الدولي هو إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي، والصين يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً للدخول الإيجابي في الأمر، بعد إصرار النظام الإيراني على الصدام العلني مع أمريكا وأوروبا. البيان أشار إلى أهمية (دعم الجهود الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وفقاً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) بوصفها حجر الأساس للمنظومة الدولية لمنع الانتشار، والتأكيد على أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل). النظام القائم في إيران إذا وصل مرحلة تصنيع الأسلحة النووية فإنه سيدخل مرحلة غطرسة القوة، ولن يهمه سوى مصالحه الطائفية والتخريبية.
رغبتنا بضرورة اهتمام الصين بالملف الإيراني يدعمه حرص الصين المعلن على دعم السلام العالمي. وهذا أحد مرتكزات الشراكة الإستراتيجية التي تتطلع إليها الدول العربية. وبيان الرياض أشار إلى هذا وقدر للصين مساعيها لـ(المساهمة بنشر السلام والتنمية الدوليين، بما في ذلك الحوار رفيع المستوى للتنمية العالمية من خلال مبادرتي فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهما مبادرتا الأمن العالمي والتنمية العالمية اللتان تدعوان المجتمع الدولي إلى الاهتمام بملفات التنمية وإعادة النهوض بقضايا التنمية في العالم).
والعمل الصيني الجاد في هذا الملف سوف ينمي الثقة بين الشعوب العربية والصين. وهذا ضروري للمضي بمواجهة التحديات الساخنه المطروحه التي تهم الجانبين كالتي تضمنها بيان الرياض مثل (تعزيز الحوار بين الحضارات واحترام الثقافات المختلفة، ونبذ دعاوى الكراهية والتطرف وصراع الحضارات بين أتباع الأديان والثقافات، والتأكيد على معارضة الإسلاموفوبيا بكل أشكالها، والتأكيد على أن الحضارتين العربية والصينية قدمتا مساهمات فريدة في تقدم الحضارة البشرية وتحرصان على مواصلة الدعوة إلى الحوار والتواصل بين الحضارات والحفاظ على التنوع الحضاري العالمي ونبذ التمييز والتحيز ضد حضارة معينة ورفض نظرية صراع الحضارات). ومثل هذه تتطلب توطيد علاقات الصداقة العربية الصينية (على المستوى الشعبي في مختلف المجالات الثقافية والرياضية والسياحية والإعلامية)، وهو ما أكد عليه الطرفان.
نتطلع إلى مبادرة الصين لاستثمار علاقتها القوية مع روسيا ومع إيران إلى أخذ النظام الإيرانى إلى احترام مصالح شعوب المنطقة، والانتهاء من مشروع تصدير الثورة وسلوك العنف والإرهاب.
في بيان الرياض لم يأت ذكر صريح لإيران وهذا مؤشر على تقدير الدول العربية لرغبة القيادة الصينية أن تبدو طرفاً محايداً في الصراعات الدولية. تفهم وتقدير هذا الموقف موشر أيضاً لحسن النية وصدقها لدى الدول العربية تجاه الشعب الإيراني.