مها محمد الشريف
تدخل ثورة الشعب الإيراني شهرها الرابع، بعد اندلاع الاحتجاجات منذ مقتل مهسا أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر، بعد احتجازها لدى شرطة الأخلاق الإيرانية، إنه التوقف عن التطور، والتردد والانقطاع بين الخطى، تتربع هناك سوداوية بين الإيديولوجيات والإصلاحات الفانية، تفرض كآبتها وعجزها على الشعب، وتستخدم الحرس الثوري كأداة قمع وقتل للثورة، فالإنسان هناك يعيش على مقربة من الموت، وخاصة بعد تكرار إعدام مداني الاحتجاجات.
شعب يملأه التوجس والخوف والبؤس والعتمة من التشتت والتمزق، والفوضى وبات هدفه الخلاص من الاضطراب الفوضوي، فكل شيء في طور الانحطاط الذي أدى إلى قلب الرأي العام الداخلي ضد النظام الحاكم بكل أدواته، بعدما ترهلت وتباينت مكوناته وتناقضت وظائفه وأهدافه كأحد العوامل الرئيسية في التحرك التاريخي ضد الشعب ومصالحه، ففي الفترة الماضية من تاريخ الثورة الشعبية أحرق المتظاهرون منزل الخميني، مؤسس ديكتاتورية الملالي، فقد تجسد العصيان بوضوح أكبر من التظاهر في الأعوام السابقة، حيث تتجلى إحدى عواقب هذه السياسة بما يسمى بالديكتاتورية ولها ترابط طبقي يتعارض مع مصلحة الشعوب وتاريخ طويل ومرير.
تضع المنظمات عادة كمنظمة حقوق الإنسان أهدافاً رسمية صريحة توزع على الجهات الخارجية تعمل فعلياً على تحقيقها وقد تختلف هذه عن الأهداف الرسمية المعلنة، ولعل الأمر كله عند منظمة حقوق الإنسان فقط قلق أممي من ممارسات النظام الإيراني، وغض الطرف عن الحقيقة، فمن غير المفاجئ أن الأحداث التي تبثها الفضائيات لن تكون مرئية على الإطلاق من قرارات هذه المنظمة، فالغرب كونه أقوى الأمم وأكثرها إنسانية حسب زعمهم لا يحرك ساكناً ولم يثر أي موجة من السخط والاستياء، ولكن هذه هي حقيقة الغرب.
في الحقيقة، فإن المشهد السائد في الشارع الإيراني لا يعكس سوى جانب ضئيل للغاية من الإرهاب والتدمير والخنق الاقتصادي والوحشية وانهيار العملة لأدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار، ومهما كثر الحديث عن قرار إلغاء شرطة الأخلاق فهو ليس جاداً، ولكنه لم يصدر بشكل قرار حكومي، بل كان جزءاً من بالونات مملوءة بغاز الهليوم المحلقة في فضاء الكذب والنفاق.
لقد شهدت مختلف مدن إيران من أقصاها إلى أقصاها مظاهرات حاشدة خاصة في المناطق الكردية التي تقع غرب البلاد بمجاورة العراق، وتحولت مراسم تشييع ودفن ضحايا المظاهرات إلى مناسبات لتصاعد الاحتجاجات، وإضراب المحال التجارية وسط المواجهات، نتيجة السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية التي تسببت بانهيار البلاد اقتصادياً، وهو في حقيقة الأمر يعكس تخلف الأجهزة الأمنية والاستخبارية التي لا تقرأ حركة الشارع، وتعتقد أنها قد تكون كافية لإجهاض مشروع انتفاضة سبتمبر (أيلول) الشعبية الإيرانية.
لذلك قد يكون من نافل القول أن أذكر أن الثورة أرعبت النظام ولا يُنظر لها بعين الهزيمة والفشل في المطالبات، بل على العكس تماماً، الشعب اليوم حدد أهداف واضحة لثورة ملايين الإيرانيين في كل المدن، وأعلنت للملأ فشل النظام في الداخل وفي محيطه الإقليمي وممارسة كل أشكال الإرهاب وتصديره للخارج.
ولكن الأمر الذي يتم تجاهله والتغافل عنه ديكتاتورية النظام والثورة الشعبية هو صمت الغرب عما يحدث في الداخل من قتل وتنكيل، يثبت تأطير صورة الغرب النمطية المنحازة لمصالحها فقط، ليس هناك سوى تحذيرات أممية من مصير الإعدام، ومنظمات حقوقية تحذر من تعرض إيرانيين لخطر الإعدام الوشيك، وقد يجلب إعدام المتظاهرين عقوبات دولية جديدة على إيران.
فالثورة الشعبية الإيرانية أحدثت تغييراً جوهرياً بعد أربعة عقود من الظلم ضد المرأة، وكشف تلك المذكرات المضللة والمتناقضة عن الإساءة الحقيقية للواقع في الداخل، وكم هائل من الدم والتعاسة التي يجري ضخها لتستمر عقودا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وانعدام الحريات المدنية والاقتصادية والسياسية.