محمد الشريف
حين اعترض مخيلتي قول البهاء زهير:
يعز علي حين أدير عيني
أفتش في مكانك لا أراك
أحسست بغصة تخنق صدري، وأنا لا أفتأ أردده من اللحظة التي فجعت فيها بفراق أخي وشقيقي (أبي عبدالله) سعد بن عبدالله الشريف، الذي فارق الحياة الدنيا إلى ملاقاة ربه مساء يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الأولى عام 1444هـ، وذلك بعد معاناة طويلة وقاسية لسلسلة من الأمراض التي لازمته خلال سنينه الأخيرة وعصفت بحياته، نسأل الله أن يكون فيما واجهه تكفير لذنوبه وستر لعيوبه ومضاعفة لأجره وحسناته.
لقد كان فراقه مرا، وفقده مؤلما، ضاعف منه كونه الأخ الوحيد الباقي لي بعد أن فارقني قبله ثلاثة إخوة أشقاء، عاشوا في ظروف حياتية تراوحت بين شظف وترف، وصحة ومرض، وفارقوا جميعا قبل أن يحققوا في الحياة منتهى آمالهم، وذلك إثر أمراض لازمتهم في أواحر حياتهم، وفي كل مرة كان أحدهم ينتقل إلى رحاب ربه ورحمته كنت أكتوي بحرقة الفقد وتعتمل مرارة الفراق وألمه في صدري إلى أن قضى آخرهم وأصغرهم سنا المغفور له -بإذن الله - سعد، وبقيت منفردا أصارع الوحدة ومرارة الفقد ولا أسمع في داخلي سوى قول الشاعر:
وما فارقتني طوعا ولكن
دهاك من المنية مادهاك
لقد حكمت بفرقتنا الليالي
ولم يكن عن رضاي ولا رضاك
لقد كان الفقيد لي بمثابة توأم الروح، والعضد الأيمن، وأمين الأسرار، أبوح له بما في نفسي من خواطر وأحاسيس، ويبادلني بمثل ذلك، يخلص لي الرأي حين أستشيره في أي مسألة تعرض لي، أما عن صفاته الشخصية فقد كان رحمه الله يتصف بنقاء السيرة والسريرة، والوفاء وطيب العشرة، والصدق والأمانة في القول والعمل، وقبل ذلك كله كان محافظا على أداء واجباته وفروضه الدينية، ملازما للمسجد، إلى أن أثقلته الأمراض فصار يؤديها في المنزل ثم في المستشفى على سرير المرض، كان رحمه الله أباً رؤوفاً رحيماً ومربياً صالحاً، ليس فقط لعائلته الصغيرة التي خلفه فيها زوجته البارة التي رافقته واعتنت به طيلة حياته وخاصة خلال سنين مرضه الأخيرة، ابنة عمه السيدة الفاضلة نوال بنت عبد الله بن عبد العزيز الشريف، وذلك بمشاطرة ومساعدة اببنته الكبرى البارة، وأبنائه الخمسة الرجال، وكلهم أعضاء عاملون نافعون في مجتمعهم، بل إنه رحمه الله قد خلف أخويه الأكبر سنا ناصر وإبراهيم رحمهما الله واللذين توفيا قبله بزمن، خلفهما في رعاية أبنائهم والمشاركة في تربيتهم حين أقام من نفسه وصيا عليهم حتى اشتدت سواعدهم و بلغوا مبلغ الرجال، جزاه الله بأحسن ما يجازي به عباده الصالحين، وأخيرا لا نقول إلا كما ورد في الأثر (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا سعد لمحزونون) ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونسأله سبحانه أن ينزله بجواره في منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أؤلئك رفيقا، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
* * *
- رئيس نزاهة الأسبق