حمّاد بن حامد السالمي
* شكّلت العاصمة السعودية الرياض قبل عدة أيام؛ نقطة التقاء بين شرق الكرة الأرضية ووسطها وغربها. نظمت العاصمة السعودية بكل جدارة واقتدار؛ ثلاث قمم. الأولى بين المملكة العربية السعودية والصين، والثانية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، والثالثة بين الدول العربية والصين. وعكست كافة البيانات الصادرة عن القمم الثلاث؛ روح الإخاء الإنساني، وتجسير التعاون على كافة المستويات، التي تتعرض اليوم إلى محاولات خطرة من دول غربية وشرقية للاستقطاب الحاد، وإشعال الحروب العبثية، ونشر الفوضى بين المجتمعات الآمنة، ومنها العربية على وجه خاص.
* كانت الصين بوزن مليار ونصف إنسان؛ حاضرة عالميًا وبقوة هذه المرة انطلاقًا من العاصمة السعودية. السياسة والاقتصاد هما قطبا التلاقي أو الافتراق في العلاقات الدولية. فحيث يكون أحدهما؛ تكون المصالح لهذه الدولة أو تلك، وهذا ما تسعى إليه المملكة العربية السعودية؛ لتمتين عرى الصداقة والتعاون، المفضية إلى السلام والتنمية الشاملة لها ولغيرها من الدول المتفهمة والمدركة لهذا العمق، الذي غاب عن قيادات غربية متغطرسة، وأخرى شرق أوسطية تغلب عليها نزعة السيطرة والاستحواذ، وهذا هو المحور الإيراني العدواني، الذي يهدِّد سلم منطقة الشرق الأوسط والسلام في كافة أرجاء المعمورة.
* عندما تحضر الصين في الرياض عاصمة العرب؛ فهي تحضر بثقل سياسي واقتصادي كبيرين، وتحضر إلى أرض العروبة والإسلام، بثقل إسلامي كذلك، فهي ضمن الدول العالمية الأربع التي تضم كل منها عددًا كبيرًا من المسلمين لا يتوفر لأي دولة عربية. الصين وحدها تعد أكثر من 120 مليون مسلم، وإندونيسيا 260 مليون، وكل من الهند وباكستان 200 مليون لكل منهما. وهذه الدول الأربع كلها آسيوية، ولها مكانتها السكانية والاقتصادية والإستراتيجية والحضارية.
* كانت الصين من أوائل الأقاليم الشرقية التي دخلها الإسلام في وقت مبكر. وصل الإسلام إلى الصين في العام 29هـ على الأرجح، ثم اتصل الصينيون بالعرب المسلمين اتصالًا جغرافيًا مباشرًا خلال العصر الأموي المجيد، لذا حظيت السفارات الإسلامية باهتمام في المصادر التاريخية الصينية، فقد ورد في المجلد رقم 99 بعنوان: (بلاد فولين- الإمبراطورية الرومانية)؛ في كتاب التاريخ المؤسسي لأسرة تانغ: (تانغ هوي ياو(Tang Huiyao ما يفيد؛ أنه خلال عام (45هـ - 665م) وذلك في السنة السابعة عشر لعصر الإمبراطور (غاوزونغ ت 63هـ - 683م)، قدِم مبعوثٌ من العرب إلى بلاط الإمبراطور، وقدّم له الإمبراطور كثيرًا من الهدايا تعبيراً للاحترام؛ كان من بينها الزجاج الأحمر، والمرمر الأخضر، والذهب.
* وورد في المجلد رقم 970 من الموسوعة التاريخية: (سيفو يوانغوي Cefu Yuangui)، أنه في عام (62ھ-682م)؛ استقبلت الصين سفارات من بلاد العرب والفرس. وكان لتوسع الدولة الأموية في آسيا؛ أبلغ الأثر في الاتصال المباشر بين المسلمين والصينيين، فقد استطاع قتيبة بن مسلم الباهلي (49-96هـ/ 669-715م)؛ ضم تركستان الشرقية: (مقاطعة شينجيانغ الصينية)، والاستيلاء على عاصمتها (كاشغر عام 96هـ - 715م)، وعلى أجزاء كبيرة من أراضي الحدود الغربية لإمبراطورية أسرة تانغ، ومع ذلك؛ لم يزحف الباهلي إلى الأراضي الصينية، وكان للوجود الإسلامي واستقرار المسلمين؛ أبلغ الأثر في انتشار الإسلام بين شعوب الترك والفرس في تلك المنطقة الجغرافية الشاسعة، والتي ربطت بين شرق آسيا وغربها، كما كان من بين نتائجها كذلك؛ أن أصبح العرب لأول مرة في تاريخهم؛ في اتصال مباشر جغرافي مع الصينيين، ودارت بين القوتين العظميين مراسلات دبلوماسية للإبقاء والحفاظ على حدود الصين، دون أن تقوم كل قوة بمهاجمة الأخرى، وبعث الإمبراطور (شوان زونغ) إلى قتيبة بن مسلم؛ أن يرسل إليه وفدًا ليتعرَّف عن قرب على العرب ودينهم، وفي هذا السياق؛ أرسل الباهلي سفارة من جيشه إلى بلاط الإمبراطور في مدينة (تشانغآن- مدينة شيآن حاليًا بمقاطعة شانشي)، ترأسه (هبيرة بن مشمرج الكلابي).
* وهكذا.. ظلت الصين كدولة؛ بعيدة عن الاحتكاك العنيف المباشر بدولتي الخلافة العباسية والأموية وما تلاهما، وبرزت فيما بعد؛ بقوة على الساحة الدولية كبلد منتج معرفيًا وصناعيًا وزراعيًا، وهي اليوم في مقدمة الدول التي تنافس على الصدارة في الاقتصاد والسياسة والتقنية الحديثة، ويحسب الغرب حسابها في مجالات الصناعات الحربية وإنتاج واستهلاك الطاقة، وتتجه إليها الأنظار في قوة التأثير المرجحة لهذا الطرف أو ذاك في النزاعات الدولية، ويحسب لها أي حساب في الوجود العسكري والدبلوماسي الأميركي ودول أوروبا في عموم آسيا، وفي بحارها ومحيطاتها شرق وجنوب وشمال الكرة الأرضية.
* هل توقفت علاقة الصين منذ القرن الهجري الأول وما تلاه من قرون؛ عند حد الحضور الإسلامي الذي أخذ يتشكل بسرعة في عموم الصين..؟ لا.. لقد نمت علاقات تجارية كبيرة وطّدت الصلة بين مسلمي الصين وبقية الأمصار الإسلامية غرب الصين. كان الحرير الصيني، وكان طريق الحرير بينها وبين القارة الهندية وفارس والعراق والجزيرة العربية وأوروبا البيزنطية. الصين المعاصرة دشنت هذا الخط من جديد عبر الجزيرة العربية مرة أخرى، وبعثت برسائل مهمة لعواصم أميركية وغربية مفادها؛ أن سياسات الإقصاء والتقزيم لم تعد مجدية، وأن الصين قادمة مع دول محورية مثل المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الاعتدال؛ لتجنيب منطقة الشرق الأوسط وآسيا والعالم كافة؛ حربًا عالمية ثالثة، توقد نارها بقوة بين روسيا وأوكرانيا، وتتمدد حرائقها وآثارها إلى دول شرق وجنوب آسيوية، وأخرى في الشرق الأوسط وأفريقية. السلام لا يتحقق إلا بالوفاق وتفهم المصالح المشتركة لكافة بلدان وشعوب العالم.
* هذا موجز الموجز فيما يتعلّق بعلاقة الصينيين بالعرب المسلمين. ويتبقى معنا الشعر والذهب..! اللذان رمزت لهما في عنوان المقال؛ ما قصتهما..؟ في الجزء الثاني من المقال؛ نقف على مفاجأة من الوزن الشعري الصيني..!