عطية محمد عطية عقيلان
تتطلب بعض المهن درجة علمية ومهارات خاصة لممارستها، ولكن بعضها بحاجة إلى جانب أخلاقي لمن يمارسها، مع أهمية الأخلاق بشكل عام كفضيلة، إلا أن هناك مهناً، عند اختيارها والعمل بها، تكون المعايير الأخلاقية والقيم من ضمن المتطلبات المهمة، لأنها تطلع القائمين عليها على خصوصيات وأسرار الناس التي تتعامل معهم، وقد تكون بعض المهن عريقة في فهم القيم الأخلاقية وتطبيقها كالعاملين في الشرط والقطاع الصحي من أطباء وخلافه، فالسرية «إلى حدٍّ ما» هي الصبغة الأعم فيهم، وقد يكون حديثهم عن ما يصادفونه في عملهم، من إهمال أو أخطاء أو عادات مضرة، ذا أثر محدود، وبه عبرة وفائدة بعدم الوقوع فيها، لا سيما عند الكلام بصيغة المجهول.
ولكن هناك مهنة لها خصوصية خاصة ومهمة في المجتمعات المدنية، وهي المحاماة والتي تتعامل مع قضايا الناس ويحتاجونها نتيجة التوسع في المعاملات وكثرة الخصومة وقلة المروءة في بعضها، والمحامي يحتاج إلى معايير عالية ليكون صاحب هدف ورسالة نبيلة، وليس الفوز والربح والانتصار بعيداً عن العدالة وفي ظلم الآخرين، فقد يكون المحامي ذكياً ويستغل ثغرات وضعف حجج الطرف الآخر وثقته بأمانة الآخرين، مع درايته بعدم عدالة وصدق دعواها، ولكن مبدؤه الدنيوي الفوز بالقضية وتحقيق المراد لعميله، بعيداً عن أي اعتبارات أخلاقية أو معايير قيمية، وتم تجسيدهم في كثير من الأعمال الفنية والمستقاة من واقع حقيقي، يظهر تباينهم وأخلاقهم، وظهر ما يسمى مصطلح «محامي الشيطان»، وهمه أخذ أكبر عدد من القضايا دون اعتبارات أخرى، لأنه يفتش عن ثغرة قانونية أو رأي تشكيكي عن أخطاء ظاهرة أو اصطياد معلومات مغلوطة بهدف التأثير في عدالة القضية من أجل كسبها بعيداً عن الحق والعدل، ولجوء بعض «محامي الشيطان» للتحالفات وإعطاء الوعود وشراء الذمم من أجل ضمان كسب قضاياهم، وكلما قل المعيار الأخلاقي للمحامي كبر هذا النوع من القضايا لديه، لذا من المهن التي تحتاج إلى جانب أخلاقي ومهني عالٍ، والحمد لله أنه موجود في جلهم، ولكن مزاحمة المتطفلين على هذه المهنة من «محامي الشنطة» المتنقلة أساء لبعضهم، خاصة توجههم لكثرة الشكاوي، باستغلال جهل وسذاجة وطمع وقلة أمانة ومروءة موكليهم، من أجل زيادة الأتعاب، من خلال إثارة القضايا وتحولهم إلى «دعونجية»، ولا يخلو البعض عن ممارسات خاطئة يقومون بها من خلال التشهير بموكليهم بالتلميح أو التصريح من خلال البحث عن الشهرة وكسب المتابعين والتي توجب العقوبة الرادعة من إيقاف وسحب الترخيص وخلافه، لأن إفشاء أسرار العميل من أساسيات العمل للمحامي الموجبة بكتمانه، وما يدعو للفخر وجود مجموعة من الشباب والشابات المحامين والذين يمتاز جلهم بالأخلاق والعدالة والاستقامة، وتعجبني مقولة أحد هؤلاء الشباب المحامي أسامة ال طالب، «بأن المحامي لا بد أن يضع مخافة الله بين عينه، ويكون هو الناصح الأمين لمن يستشيره بعيداً عن هاجس بكسبه أو خسارته كعميل»، كما تجد بعضهم ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام التقليدي أو يقدمون الاستشارات المجانية ولا يبخلون برأي أو مشورة، يقومون بدور توعوي في الأنظمة والقوانين، ولا يبخلون برأي أو مشرة، ولي ولك عزيزي القارئ هناك حكمة عربية تقول «من خرق القانون لمنفعتك، سيخرقه غداً لخراب بيتك».
خاتمة: جسّد علي المفيدي مع عبدالحسين عبد الرضا شخصية المحامي «أحمد يكيكي»، والذي يؤدي عمل «محامي الشيطان»، باستخدام الفهلوة والعبارات المنمقة لكسب القضايا، وفيها إسقاط على المتطفلين على المهنة تشابه ما كان يحدث من «محامي الشنطة» ولكن بدل بشت يكيكي، نلحظ البدلة البالية لهم، وتبقى مهنة المحامي من المهن الراقية، وهناك من يبحث عن تطبيق العدل والحصول على الحق، وستظل مهنة المحاماة وغيرها من المهن، تطور تشريعاتها وشروطها من أجل حماية الحقوق والحفاظ عليها من المتطفلين، يقول رئيس محكمة النقض المصرية عام 1931م المستشار عبدالعزيز فهمي» لا تكسب دعاوي وتخسر نفسك».