بدر بن عبدالمحسن المقحم
في تطور لافت لكل المتابعين في العالم حطت طائرة الرئيس الصيني/شي جين بينغ مطار الملك خالد الدولي في الرياض يوم الأربعاء 13-5-1444هجريه الموافق 7-12-2022م بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - وإيذاناً بوضع لبنات إضافية في صرح العلاقات السعودية الصينية من جهة، والعلاقات الخليجية والعربية مع الجانب الصيني من جهة أخرى، ولتتوج تلك الزيارة بإعلان الرياض (عاصمة القرار العربي) والبدء بمرحلة جديدة من الروابط المتعددة المجالات وذات النوعية الخاصة، وعند إلقاء نظرة فاحصة على العلاقات السعودية الصينية نجد أنها قديمة بحكم الصلات التي انبثقت من الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الصينية والاتصالات التي تمت آنذاك بين الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) والإمبراطور تانغ قاو تسونغ لأسرة تانغ الملكية وذلك في عام 30 هجرية الموافق 651 ميلادية بهدف مد الجسور معه والتعريف برسالة الإسلام الخالدة، وهو ما يعني أن تلك العلاقات موغلة في القدم وعليها تأسست العلاقات السعودية معها وبالذات مع الأقلية المسلمة هناك التي تأتي بغرض الحج والعمرة،كما أقامت المملكة علاقات دبلوماسية مع الصين عام 1990م توجت بزيارات عدة على مستوى القيادتين من أهمها زيارة فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة في يناير 2016م، وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للصين في مارس 2017م، وزيارة أخرى لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في فبراير 2019م، حيث تم التوقيع خلال تلك الزيارة على (35) اتفاقية بمبلغ (28) مليار دولار كما أثمرت زيارة الرئيس الصيني مؤخراً عن توقيع خادم الحرمين الشريفين اتفاقيه الشراكة الإستراتيجية الشاملة وإبرام (12) اتفاقية ومذكرة تفاهم حكومية للتعاون في مجالات الطاقة الهيدروجينية، والقضاء، وتعليم اللغة الصينية، والإسكان، والاستثمار المباشر، والإذاعة والتلفزيون، والاقتصاد الرقمي، والتنمية الاقتصادية، والتقييس، والتغطية الإخبارية، والإدارة الضريبية، ومكافحة الفساد. بالإضافة إلى توقيع (9) اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين القطاعين الحكومي والخاص، وتوقيع (25) اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الشركات في البلدين إلى جانب تفعيل «خطة المواءمة» بين رؤية المملكة 2030م ومبادرة الحزام والطريق، الجدير بالذكر أن المملكة الشريك التجاي الأول بالنسبة للصين حيث تجاوزت التجارة البينية قرابة (4و8) مليارات دولار وأكبر مورد لها من النفط بمقدار (2) مليون برميل يومياً.
أما القمة الخليجية فقد تم الاتفاق على جملة مسائل من بينها تعزيز الشراكة الإستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والصين والدفع بها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، واعتماد خطة العمل المشترك للفترة القادمة (2023-2027م) لتحقيق ذلك، واستمرار الحوار الإستراتيجي بين الجانبين على جميع المستويات لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك وتنسيق المواقف حيالها، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمدادات، وأمن إمدادات الغذاء والطاقة، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة النظيفة، ومساعدة الدول الأكثر احتياجاً والمساهمة في تلبية حاجاتها الإنسانية.
علماً بأن الصين أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وأكبر مستورد لمنتجاته البتروكيمياوية حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين الـ (230) مليار دولار أمريكي وتجاوزت واردات من النفط الخام من دول المجلس عتبة الـ (200) مليون طن في عام 2021م.
أما القمة العربية الصينية فإنها أكدت على الوثائق التأسيسية لمنتدى التعاون العربي الصيني، في القاهرة عام 2004م، والإعلان المشترك بهذا الخصوص، والخطة التنموية العشرية لمنتدى التعاون العربي الصيني للمدة من 2014م - 2024م، والإعلان التنفيذي العربي الصيني الخاص بمبادرة «الحزام والطريق» اللذين تم التوقيع عليهما عام 2018م، إضافة إلى استعداد الصين التعاون مع الدول العربية في مجالات عديدة لا تقل عن المجالات التي تم التنويه عنها في القمة الخليجية الصينية المنوه عنها أعلاه، علماً بأن الصين قد أقامت علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع (12) دولة عربية، ووقعت على وثائق التعاون بشأن بناء «الحزام والطريق» مع (20) دولة عربية، وانضمت (15) دولة عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وشاركت (14) دولة عربية في «مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات».
وبالنظر إلى مجمل تلك الاتفاقيات والتفاهمات والموقف السياسي المشترك تجاه قضايا المنطقة والتعاون في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية الموضحة في البيانات الختامية للقمم الثلاث نجد أن المملكة أصبحت ومن خلال هذه القمم البوابة الكبرى للعلاقات مع الصين، والمحفز القوي للاستفادة من ما لدى الصين من إمكانات وفرص اقتصادية وعلمية يمكن استثمارها في التنمية العربية الشاملة وبما يسهم في الارتقاء بالخطط التنموية لكل دولة عربية ويعزز من شراكاتها مع الجانب الصيني الذي يرنو ببصره إلى هذه المنطقة الحيوية من العالم حيث الموارد البشرية والطاقة والمال والمعادن والتجارة والأسواق المفتوحة ومشاريع البنية التحتية، وحاجة الصين الماسة لتلك الثروات العربية الهامة والجاذبة بهدف توظيفها في خدمة مقوماته في ثورة المعلومات والاتصالات والفضاء والاقتصاد الرقمي والحوسبة السحائبية والصناعات الثقيلة والتحويلية والمتوسطة.
إن الواقع المعاصر وما يجري على الساحة العالمية من تنافس محموم على أحادية القطب يتطلب مثل هذا النوع من التقارب لاسيما وأن لدى القادة جميعاً قناعة بضرورة وجود عالم متعدد الأقطاب ينحو منحى التعاون والسلام والازدهار الإنساني شريطة أن يترجم التعاون العربي والصيني إلى مادة ملموسة تخدم الشعوب العربية والصينية وذلك بالسعي الدؤوب على تجسيره وتدعيمه ليظل صامداً أمام عالم يموج بالتكتلات والتجمعات الإقليمية والعالمية، إن الصين وبحكم أنها معروفة تاريخياً بأنها لا تتدخل بالشؤون الداخلية للدول، وتحرص في المقام الأول على الشراكات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية، وقطب اقتصادي عالمي صاعد، وليس لها ماضٍ استعماري، وتتمتع بعمق حضاري قديم، وتجمعها مع الدول العربية بهواجس وهموم آسيوية وإفريقية واحدة وبالذات في قضايا التنمية والمناخ والأمن الغذائي والصحي ومكافحة الفساد، يجعل من درجة الموثوقية في الصين كبيرة لكن على أساس من الاعتمادية المتبادلة بين الطرفين وليس على التبعية أو الانتفاع من جانب واحد، وأن يكون توازن المصالح هو الراجح على توازن القوى.