سارة بنت حمود المزيني
في ظل ثورة المعلومات والتطور المعرفي السريع المتلاحق الذي يميز العصر الحالي، أصبح لزاماً على المنظومة التربوية بكل عناصرها مواكبة هذا التغير السريع، ومراجعة الأنظمة التعليمية، واتخاذ القرارات لتطوير وتجديد هذه الأنظمة، حيث اهتمت المملكة العربية السعودية شأنها في هذا المجتمع العالمي المعاصر شأن كل المجتمعات المتقدمة، التي تسعى نحو التقدم بخطى سريعة في رؤيتها الطموحة 2030 بتنمية رأس المال البشري ومهارات المتعلمين، فقد نصت على تطوير محتوى التعلم، وأساليب التعليم وتحسين جودة بيئة التعليم، وأن يكون التعليم مواكباً للمعرفة ومنطلقاً من هذا الأساس والجوهر، بمعنى أن يتم بناء جيل يحقق مفاهيم الإنتاجية والإبداع والابتكار، وبناء فلسفة المناهج وسياساتها، وأهدافها، وسبل تطويرها، وآلية تفعيلها، وربط ذلك ببرامج إعداد المعلم وتطويره المهني. بالإضافة إلى الارتقاء بطرق التدريس التي تجعل المتعلم هو المحور وليس المعلم، والتركيز على بناء المهارات وصقل الشخصية وزرع الثقة وبناء روح الإبداع. وجعل البيئة المدرسية محفزة وجاذبة ومرغبة للتعلم، تصقل المواهب وتزود بالمهارات وتنتج جيلاً من الناضجين الطموحين المقبلين على الحياة بروح التحدي والمنافسة وحب العمل والإنتاج. وبدراسة متأنية نجد أن هذا ما ترمي إليه النظرية البنائية في كثير من انعكاساتها على المنهج المدرسي والتعليم بشكل عام.
وبعد تحليل الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية (2018م) يلاحَظ أن مناهج التعليم تمتلك كثيراً من مبادئ النظرية البنائية حيث يتضح ذلك فيما يلي:
- تعد التوجهات المعرفية والنظريات التربوية وأفضل الممارسات العالمية في تطبيق المناهج أساساً لبناء مناهج التعليم، بما في ذلك أحدث ما توصلت إليه الأبحاث في مجال علم النفس وعلم الأعصاب وكيفية حدوث التعلم في الدماغ، وتبرز في هذا الأساس مبادئ نظريات التعليم والتعلم البنائية وتطبيقاتها التي تجعل من المتعلم محور عمليات التعليم والتعلم والتقويم.
- إنتاج أفكار أصيلة وحلول مبتكرة، ترتبط بالتحدي والاكتشاف والابتكار، والوعي بالمشكلات، واستخدام المعرفة والمهارات والتخيل العلمي بطرق منتجة وغير مألوفة، وهنا يبرز دور المتعلم المبتكر في البنائية.
- التفكر والتأمل والتقويم باستخدام قواعد الاستدلال العقلي لاتخاذ القرارات وحل المشكلات؛ للتمكن من إصدار الأحكام المنطقية الناتجة عن جمع المعلومات والأدلة والشواهد وتحليلها، والتحقق من صدقها وصحتها، وهنا يبرز مبدأ البنائية في التفكير الناقد وحل المشكلات.
- العمل بنجاح مع الآخرين ومساندتهم، والإسهام في إنجاز المهام ضمن فريق عمل والمساهمة بفاعلية لتحقيق أهداف المجموعة لرفع مستوى جودة العمل والإنتاج.
- يحقق المحتوى مبدأ الشمول من خلال أنشطة متنوعة تلائم المتعلمين وتؤكد توفر الفرص وتكافؤها لجميع المتعلمين؛ لمراعاة الفروق الفردية بينهم وأنماط تعلمهم، وذكاءاتهم المتعددة، وحاجاتهم وقدراتهم وميولهم.
- يقدم المحتوى خبرات تعلم تتسم بقدرتها على ربط ما يتعلمه المتعلمون بتطبيقاتها الحياتية، والتفاعل مع المواقف الواقعية والمشكلات اليومية التي يواجهونها خارج المدرسة، وتشجعهم على تعميق معارفهم وتنمية مهاراتهم من خلال الأنشطة والتجريب والبحث والاستقصاء والمشاركة المجتمعية والدراسة المستقلة.
- يرتكز التعلم على مواقف وخبرات وأنشطة ذات معنى لدى المتعلم ترتبط فيها الخبرات الجديدة بالخبرات السابقة، وبسياق الحياة والمجتمع، مما يزيد من شغفه المعرفي ويثير قدراً من التحدي لقدراته، وهنا يبرز مبدأ البنائية في التعلم ذو معنى.
- ترتكز عمليات التعليم والتعلم على تعلم المتعلم من خلال طرائق تعلم وخبرات موجهة يكون فيها المتعلم رائداً لعملية تعلمه مشاركاً في التخطيط له وتنفيذه ومستمتعاً به؛ وهنا يبرز دور المتعلم النشط والإيجابي في البنائية.
- تضمين الأدوات ومصادر الدعم والمواد التعليمية المساندة، والمعامل وتجهيزاتها، والبيئات الافتراضية، والأدوات المتنوعة المستخدمة مثل الروبوتات التعليمية وأدوات الواقع الافتراضي وغيرها.
- التخطيط لعملية التقويم وفق أهداف التعلم وأن تكون واضحة للمتعلم ومعلنة وتعديل خطط التعليم والتعلم في ضوء نتائج التقويم.
- مشاركة المتعلم في عمليات التقويم البنائي للرفع من دافعيته وزيادة ثقته بنفسه وبمستوى إنجازه.
وفي دراسة أجريتها في هذا العام 2022م بعنوان «تقييم واقع منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية في ضوء النظرية البنائية» توصلت إلى جملة من النتائج أبرزها ما يلي: تراوحت متوسطات تمثل الأهداف التعليمية البنائية في منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية ما بين (2.79 و4.13) واحتل المرتبة الأولى منها «تتضمن هدفاً عاماً لمهمة التعلم يسعى جميع المتعلمين لتحقيقه» بمتوسط حسابي 4.13، وجاء في المرتبة الأخيرة «يتم تحديدها من خلال تفاوض اجتماعي بين المعلم والمتعلمين» بمتوسط حسابي 2.79. كما تراوحت متوسطات تمثل محتوى التعلم البنائي في منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية ما بين (3.47 و3.89) واحتل المرتبة الأولى منها «يتضمن تطبيقات تكون مرتبطة بمعرفة المتعلمين السابقة» بمتوسط حسابي 3.89، وجاء في المرتبة الأخيرة «يبنى على مبدأ تعددية الحواس» بمتوسط حسابي 3.47. كما تراوحت متوسطات تمثل الأنشطة التعليمية البنائية في منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية ما بين (3.21 و3.97) واحتل المرتبة الأولى منها «تدعو للتعاون بين المتعلمين» بمتوسط حسابي 3.97، وجاء في المرتبة الأخيرة «تدعو المتعلمين لعمل تنبؤات قابلة للاختبار» بمتوسط حسابي 3.21. كما تراوحت متوسطات تمثل استراتيجيات التدريس البنائي في منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية ما بين (3.37 و3.99) واحتل المرتبة الأولى منها «يتضمن إستراتيجية التعلم التعاوني» بمتوسط حسابي 3.99، وجاء في المرتبة الأخيرة» يتضمن إستراتيجية التدريس بخريطة الشكل Vee» بمتوسط حسابي 3.37 . كما تراوحت متوسطات تمثل التقويم البنائي في منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية ما بين (3.40 و4.00) واحتل المرتبة الأولى منها «يعد التقييم أصيلاً وواقعياً» بمتوسط حسابي 4.00، وجاء في المرتبة الأخيرة «يعطى الطلاب دوراً في تقييم المعلومات المكتسبة لتحقيق الأهداف» بمتوسط حسابي 3.40. وفي ضوء ما توصلت إليه الدراسة من نتائج قدمت عدداً من التوصيات، منها: التوسع في توظيف وبناء أبعاد منهج الحاسب وتقنية المعلومات للصف الثاني المتوسط بالمملكة العربية السعودية وجميع مناهج التعلم في ضوء النظرية البنائية؛ بما يسهم في تحقيق انعكاساتها الإيجابية على العملية التعليمية. ونشر الوعي بتطبيقات النظرية البنائية وانعكاساتها على عناصر المنهج وفوائدها وكيفية توظيفها في عملية التعليم والتعلم في مختلف المجالات الدراسية، وذلك عن طريق الندوات العلمية والمؤتمرات وورش العمل.