د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
تواجه جمهورية إيران حَالِيًّا واحدة من أعمق أزماتها السياسية في أعقاب ثورة 1979، فقد أنتجت الانقسامات الخلافية منذ بدء الثورة أجيالاً اجتماعية وسياسية ذات وجهات نظر مختلفة حول العملية السياسية والنهج الإستراتيجي للدولة.
فالمتظاهرون الحاليون هم من جيل الشباب الذي يتناقض في توجهاته وفكره مع النظام الحاكم الذي تم استقطابه من الجيل الثوري لعام 1979 مستأثراً بالسلطة دون سواه، فنجد أن من بين 32 منصباً وزارياً في إدارة رئيس الوزراء حسن روحاني ثمانية وزراء فقط ولدوا في 1961 ، في حين أن أغلب الوزراء الآخرين كانوا قد ولدوا خلال الخمسينيات الميلادية، وقس على ذلك منهم في المناصب الأخرى الرئيسية بالإضافة إلى نمط الأجيال الأقدم سُنَنًا كالمرشد الأعلى ورئيس مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء اللذان ولدا في عامي 1938 و1927 على التوالي.
من المعروف أن وعي الأجيال الاجتماعي والسياسي هو ما يشكِّل هويته المحددة، والتي تبرز إظهارته عند تمرده على السلطة سواء كانت نتيجة لتهميشه من الشراكة في السلطة أو لأسباب اقتصادية ونحوه ، وإيمانه المطلق بأنها كانت نتيجة لتخبط النخب الحاكمة في إدارة البلاد التي لم تأخذ في الاعتبار الاستجابة لمظالم جيله السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، كرفع عبء التداعيات الاقتصادية التي أثقلت كاهله بفعل العقوبات الأمريكية، والتي كانت إدارة ترامب أعادت فرضها في آب - أغسطس وتشرين الثاني - نوفمبر 2018، وساهمت بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي، والحد من قدرة النظام على استيعاب المحتجين اِقْتِصَادِيًّا.
ومن الأمثلة الحديثة على الانقسامات المثيرة للجدل بين الأجيال الإيرانية المتتابعة، الاحتجاجات الطلابية المصاحبة لصعود خاتمي ومصلحيه إلى السلطة في عام 1997 ، واحتجاجات عام 2009 التي أعقبت رد فعل المحافظين في عهد أحمدي نجاد، حيث قادت الطبقة الوسطى المطالبة بالديمقراطية، والاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر 2017 من طبقة العمال والمزارعين المتضررين من الجفاف ومطالبهم بتحسين الأوضاع الاقتصادية حتى بلغت ذروتها في احتجاجات نوفمبر 2019، ومؤخراً احتجاجات 2022 التي لا يزال يدور رحاها متجاوزة سابقتها، ويقودها جيل يبلغ أعمار معظمة 18 عامًا، يتشاركون إلى حد كبير في المشاعر والهموم والأحلام كل ذلك تحت رسالة «المرأة، الحياة، الحرية»، فالأجيال السابقة لا يكاد أن يكون لديها نفس المظالم والتجارب.
ورغم عفوية الاحتجاجات الأخيرة إلا أنها توسعت وجمعت بين الطبقات الاجتماعية من مختلف الهويات العرقية - الأكراد والفارسيون والأذربيجانيون الأتراك والبلوش- وأصبح توجهها أكثر مناهضة للحكومة وبنبرة أكثر راديكالية من الاحتجاجات السابقة مطالبة بالإطاحة بنظام الجمهورية تحت شعارات «الموت للديكتاتور» و»الموت لخامنئي» و»الموت للظالم» و»المرأة، الحياة، الحريّة»، وذلك بعد أن أيقن هذا الجيل أن نظام الملالي المنفصل عن واقع الناس قد استعمر حياتهم وحرمهم من الحياة الطبيعية.