خالد بن حمد المالك
نجحت دولة قطر في تنظيم كأس العالم بشكل غير مسبوق، وبتنظيم أبهر العالم، متكئة على إمكانات مالية عالية تمتلكها، وعلى رؤية مجددة لما هو معتاد في تنظيم هذه التظاهرة الرياضية العالمية، حتى أن أحداً من المشاركين والحضور والمتابعين عن بُعد لم يجدوا مثلباً أو عيباً أو نقصاً يتحدثون به ويلقون باللوم فيه على قطر أو على من وافق لها على تنظيم كأس العالم لعام 2022 رغم أن هناك من حاول أن يجد ما يقوله سلباً عن التنظيم القطري المبهر لكأس العالم.
* *
لم يمر تنظيم قطر لكأس العالم دون تحديات، ولا يمكن القول بأنه لم يواجه في طريقه مجموعة من المعوقات، فقد شُكك أولاً في نزاهة اختيار قطر، وأن إعطاءها حق التنظيم كان بسبب ما قيل عن رشاوى دفعتها دولة قطر لمن اختارها، فلم يتبين صحة هذا الاتهام، ولم يظهر ولو دليل واحد على أن قطر اشترت التنظيم بمالها، ثم شكك بقدرتها على التنظيم، فكان ما تم من تنظيم رائع صفعة في وجه كل من تبنى هذا الرأي المشبوه، فقد ظهر تنظيم الدولة القطرية للبطولة بأفضل مما تم تنظيمه في أي دولة سابقة، ومن ثم فلم يبق أمام المشككين إلا موضوع المناخ، فكان طقس الدوحة ربيعياً ومناسباً لإقامة المونديال.
* *
ثم جاء الحديث عن حقوق العمال، وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من الاتهامات التي ظن مروجوها أن قطر سيتأثر تنظيمها بمثل هذه الاتهامات، فإذا بالدوحة لا تلقي إلى ذلك بالاً، وتسير وفق ما يكرّس قدرتها على التنظيم، وهو ما حدث, حيث نالت شهادة الحصول على التنظيم المميز والأفضل لكل من حضر أو شاهد مظاهر هذا التنظيم أو جانباً منه.
* *
لم يبق ما يثار بعد ذلك إلا حقوق المثليين وتكريس حقوقهم في دولة إسلامية، وتثبيتها في أرض قطر باستثمار إقامة كأس العالم في أراضيها، فإذا ما رفضت الدوحة ظهور أي شعار أو علامة تميزهم، فإن هذا سوف يخل بالتنظيم، لكن قطر منعت أي مشهد أو مظهر للشواذ، وأي تصرف يمس القيم والأخلاق، ونجحت في فرض سياساتها وقوانينها، وبالتالي إظهار بطولة كأس العالم بمثل ما رأيناه من تنظيم رائع.
* *
لقد شاهدت بطولة كأس العالم من الدوحة أعداد تقدر بخمسة مليارات شخص، وهو رقم كبير تعرّف على قطر، وردد اسمها، وأثنى على تنظيمها، ومن يقول إن قطر أنفقت أكثر من مائتي مليار على أنها خسارة لا عائد منها، فإنه ينسى أن جزءاً من هذا المبلغ أنفق على البنية التحتية، وبهذا الجزء تم توسعة الميناء والمطار، وأقيمت عدد من الطرق وسكة الحديد، وشجرت العاصمة القطرية، وأقيمت فنادق، وكلها ستبقى في خدمة الناس في قطر، هذا غير الملاعب التي ستستفيد منها قطر في تنظيم مناسبات رياضية وغير رياضية قادمة.
* *
وكانت مصالحة المملكة والإمارات والبحرين مع قطر في توقيتها متزامنة مع إقامة كأس العالم في الدوحة بادرة ومناسبة رحبت بها دول وشعوب الخليج، وأظهرت شعوب هذه الدول - وبخاصة المملكة - بحضورها على أن التنظيم القطري هو تنظيم لكل هذه الدول، ومفخرة لكل شعوبها، فدول مجلس التعاون يجمعها الكثير من المصالح والأهداف، وما يصب في مصلحة أي دولة، إنما هو لصالح كل الدول، وهكذا كانت إقامة كأس العالم في قطر كما لو أنها مقامة في عواصم الدول الخليجية.
* *
ولابد من التذكير بأن قطر لو أن أنفقت ما أنفقته في تنظيم كأس العالم في الصرف على وسائل إعلام داخلية وخارجية للتعريف بها وبمنجزاتها لما حققت من الشهرة ما حققته بتنظيمها لكأس العالم والصرف عليه بمبلغ يزيد عن 200 مليار، فأهمية الإعلام أنه قوة ناعمة، وتنظيم كأس العالم كان بمثابة إعلام سخر لخدمة قطر، وبالتالي فقد تعرف عليها حضوراً أو عن بعد كل هؤلاء الذين يقدر عددهم بأكثر من خمسة مليارات شخص.
* *
التهنئة لقطر على حسن التنظيم والتخطيط، وللأرجنتين على تحقيق البطولة، وللمغرب على الفوز بالمركز الرابع، وللسعودية بفوزها على بطل كأس العالم الأرجنتين، بأمل أن تكون المنتخبات العربية في أحسن حال في المستقبل، وأن يبدأ الإعداد والاستعداد من الآن لتفجر منتخباتنا العربية المفاجآت السارة كما حدث ذلك من السعودية والمغرب.