الكل منَّا دون استثناء يدرك تمام الإدراك أن الأمن والطمأنينة غاية من الغايات المهَّمة والشريفة التي يحرص عليها الإسلام، أما الخوف والقلق والهلع والفزع فمعانٍ ذميمة يبغضها الشّرع، ويكره من يدعو إليها، فالنَّاس صنفان، صنف يعرف أبجديات حدود الله سبحانه وتعالى فلا يتعداها، وصنف مستهتر بحدود الله ولا يبالي بها ولا يرعاها.
فالأوَّل يرسم الطريق لأمنه وأمانه وراحة باله ونفسه، والثَّاني يرسم الطريق لقلقه وفزعه ومخاوفه، والأوَّل يحبه النَّاس ويفتدونه، والثَّاني يبغضه النَّاس ويتمنون هلاكه، ولا يعينونه على خير. فقد أرسل الله نبيه مُحمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه على أن يعالج هذه الفتن وهذه الصّراعات وهذه التمزقات والنّزاعات التي تسود بين البشريَّة عامَّة، وكان لها من رسالته العظيمة علاج لفساد قلوب هؤلاء البشر ومرهم لجراح صدورهم، وبعد ذلك العلاج النبويِّ، اجتمعت كلمتهم، وارتفعت رايتهم، وحقنت دماؤهم، وأصبحوا بنعمة الله إخواناً.
لقد اعتنى الإسلام بالأمن على النَّفس البشريَّة وكفل حرمتها من حيث قتلها إلا بالحق، وجعل قتل النَّفس الواحدة كقتل النَّاس جميعاً ..وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا . وقد جاء النهي عن القتل في كتاب الله الكريم وفي مواضع شتَّى، وعن ابن مسعود رضي الله عنه يقول (من سرَّه إلى أن ينظر إلى وصيَّة نبي الأمَّة المحمَّدية التي عليها خاتمه، فليقرأ هذه الآيات الكريمات {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}.. إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
والنبي الكريم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: الثيب الزّاني، والنَّفس بالنَّفس والتارك لدينه المفارق للجماعة).
ويقول الباري عزَّوجلَّ {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
فقد شدد الإسلام على الأمن في العرض سواء من الفاسق أو الزاني مع إقامة الحد وردع أمثاله كما يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ}.
وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
فقد شرع الله سبحانه وتعالى الحجاب للمرأة المسلمة حتى يغلق باب الفتنة وحتى تظل المرأة بعيدة كل البعد عن الابتذال. أما الأمن على الأموال، فمرجعه إلى أن الشّرع قد جعل الأموال عصب الحياة كما جعلها هي والبنين زينة الحياة الدّنيا. وأمر بتحصيلها من كل وجه مشروع ليقوم عليها الكون، لكنَّه أمر بالمحافظة عليها ونهى عن الإسراف فيها، وجعل انقباض الأيدي بها بكنزها والضن بها على وجوه البر والخير، طريقاً لعذاب الله كما قال الله تعالى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}. كما حذر من أكلها بالباطل وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ.
وعند تأمين المال، فقد شرع حد السرقة كما قال الباري عزَّوجلَّ في محكم كتابه الكريم وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، أما الأمن على العقيدة فذلك أن الله بين فضل الإسلام وأنه ثمرة الحياة وضمان لسعادة النَّاس في الدَّنيا والآخرة، وبين الحلال والحرام، وترك الأمَّة البشريَّة أحراراً فيما يختارون وما يدعون. فهذه الركائز التي تقوم عليها الحياة: النَّفس- والعرض- والمال- والعقيدة، فقد صانها الإسلام وحرسها وحماها وكفل بهذا التَّشريع المحبَّة والمودَّة والتآلف والتآخي بين البشر كافَّة طالما أنهم لا يتجاوزون حدود حرمات الله.
والله الموفق والمعين.