تتحقق صناعة النهضة وبناء مستقبل برؤى مشرقة من خلال تلك التغييرات الممنهجة على أرض الواقع التي تمارس بذكاء على أيدي قادة على مستوى متميز من المعرفة والمهارة، وامتلاك الأدوات والأساليب اللازمة لوضع الرؤية وإيصالها للآخرين بأفضل الطرق، مع ضمان انخراط جميع الأفراد بالمؤسسة في تلك الرؤية وتحفيز دافعيتهم على تحقيقها. كما لا بد أن يحرص القائد الذكي والمدير المبدع من إحداث التغيير بصفة عامة على صياغة رؤية مشتركة تنسجم مع التطلعات والرؤى المستقبلية، وتنمية الالتزام بتنفيذها وتعزيزها لدى جميع الفئات المعنية من داخل المؤسسة وخارجها بصفتهم شركاء مساهمين فيها، مع تطبيق الإستراتيجيات المناسبة لتحقيق هذه الرؤية، وترسيخ القيم والاتجاهات الجديدة والتجارب التطويرية داخل ثقافة المؤسسة، كما من الضروري أن ترتكز جهود القيادة المؤسسية من خلال العمل على جانبين رئيسيين في المؤسسة هما الجانب التنظيمي والجانب الثقافي.
ترتكز فعالية الإدارة الرشيدة في صياغة خريطة مستقبل المؤسسات إلى مقومين أساسيين، يتمثل أولاً في تفعيل الكفاءة والفاعلية من جانب المؤسسة، والثاني المشاركة الفاعلة من جانب الموظفين والجهات ذات العلاقة، وينطلق صناع القرار إلى التركيز على جهود إعادة بناء وهيكلة التنظيم المؤسسي بحيث تشمل إحداث التغييرات في البناء الرسمي للمؤسسة التي تتضمن تأثيرًا على التحسين والتطوير في عملياتها، ويوازي ذلك الجهود الرامية إلى إعادة بناء النسق الثقافي في المؤسسات، وتتضمن إحداث التغييرات في الأنظمة المتصلة بالنماذج، والقيم، والدوافع، والمهارات، والعلاقات التنظيمية مما يؤدي إلى تعزيز أساليب ووسائل جديدة للعمل المؤسسي ينعكس أثره مباشرة في رسم خريطة مستقبل نمو المؤسسة وريادتها.
نقصد بالإدارة الرشيدة مجموعة من العمليات والأعراف والسياسات والقوانين تشرف عليها الإدارة العليا، وتؤثر في طريقة توجيه المؤسسة وإدارتها والسيطرة عليها، وتتركز المهمة الرئيسية للإدارة الرشيدة في السيطرة على المؤسسة وتوجيهها نحو الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية الهادفة إلى ترسيخ الثقة بين جميع الأطراف ذات الصلة بأهداف المؤسسة وعملياتها، ويتطلب الاهتمام بنظام الإدارة الرشيدة وآليات تنفيذها اهتمامًا بالغًا بقيم ومبادئ النزاهة والشفافية والعدالة والثقة، والعمل على تطوير برامج الإصلاح والتحديث الإداري في مختلف المجالات والنشاطات المؤسسية داخل بيئة العمل وما يتصل بها، وهذا يساعد كذلك في مواجهة تحديات العمل وخاصة في بيئة محلية وعالمية تعصف فيها متغيرات وأحداث متسارعة ومتجددة، بما يعظم لدى المؤسسة إدراك أهمية رفع مستوى الأداء ومواجهة التحديات المختلفة، وتبني جودة العمل لتحقيق التنمية المستدامة والتمسك بأهداف التنمية في الألفية الجديدة.
إن الإدارة الرشيدة يرتكز عملها بشكل تام على خدمة الآخرين، لذلك فإن أحد متطلباتها هو روح الخدمة، خدمة الفرد لمؤسسته، وروح الخدمة هذه لا تنكر بأي شكل من الأشكال الدوافع والمبادرات الفردية، كما أنها لا تعيق الإبداع الفردي والجماعي، بل تعمل على إطلاق القدرات الكامنة لدى الفرد والجماعة بما يحقق الرفاهية والازدهار، ووفق منظومة قيادية وإدارية ناجحة يدمجون فيها روح الخدمة مع الاندفاع نحو التفوق للانطلاق نحو تحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية، ومن خلال ذلك تعد المؤسسات التي تنشأ من منظومة الإدارة الرشيدة وتدار من قيادة ذكية وإدارة مبدعة محورها الخدمة تحقق فيها سعادة ورفاه الأفراد والمجتمع بأسره، وتعتنق الشراكة كأساس للنجاح والتعاون والبناء، وتعمل على توسيع خيارات النمو والتطوير لمنظومتها بما يضمن حقوق وحريات ومبادرات كل فرد فيها، هذه المؤسسات ستصون قيمة الإنسان وتحقق التنمية وتعالج التحديات كافة التي تعيق نموها لترسم خريطة بناء المستقبل بأجمل صورة.