علي خضران القرني
مدخل
يظل أدب الإخوانيات (صدى السنين الحاكي) بين الأحبة الأصدقاء مهما باعدت بينهم المسافات، وطال أمد الغربة، أو كما قيل قديمًا: الرسائل الإخوانية هي الصلة الوطيدة بين الأصفياء والخلان، يتبادلون خلالها الأشواق والمودة وشرح الحال والأحوال.
وقد ساد هذا اللون من الأدب في العصور القديمة، وكان له حظوة ومنزلة مرموقة لدى عشاقه ومدونيه، لكنه كاد ينقرض في العصور الحديثة إلا ما كان حبيسًا في بطون الكتب والإصدارات التراثية.
ومع تقدم الآداب والثقافات والفنون في مجالات شتى نهضة وتقنية، فإننا لم نر من ينفض غباره، ويراجع أصداءه ويلم شتاته، ويحيي عهده، سوى فئة قليلة تتعهده بالحراسة كلما أمكنها ذلك، لكنها لا تقوى على تحريك رقوده الطويل، وبلورة تاريخه المنسي، وتأكيد قيمته بالنسبة إلى الفنون الأدبية الأخرى.
فهل لنا أن نرى دراسات أكاديمية، و أطروحات علمية،وأبحاث أدبية،تتناول هذا اللون من الأدب، فتحيي قيمته التراثية والإبداعية؟!
ذلك ما نرجوه ونأمله ممن يعنيهم الأمر، ويهمهم ربط ماضيهم التليد بحاضرهم المزهر.
بداية
وفيما يأتي إضاءات وجيزة للون من ألوان (أدب الإخوانيات )، نعرج من خلالها على أديب وشاعر طائفي راحل كانت له إسهامات شعرية ونثرية خلال الثمانينات الهجرية، إلا أنه لم يجد من الذيوع والانتشار ما وجده أقرانه في عصره وما أكثر المغمورين في المجتمعات الأدبية وخاصة ممن لا يتقنون فن العلاقات الدبلوماسية في مجال الشهرة والذيوع!
من سيرته
الاسم: عادل بن جارالله أبو رجيله الثبيتي.
مواليد: قرية المعدن، بني سعد، الطائف سنة 1358هـ.
تعليمه: تلقى تعليمه الابتدائي في القرية والمتوسط في الطائف.
عمله: عمل في إمارة بلجرشي، ثم في وزارة الداخلية في الرياض، ثم في المحكمة الكبرى في الطائف، أحيل إلى التقاعد لمرضه.
له إسهامات نثرية وشعرية شارك بها في عدد من الصحف والمجلات خلال الثمانينات الهجرية.
علاقتي به
زاملته في المحكمة الكبرى في الطائف قبل انتقالي إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات، وتوطدت العلاقة بيننا بسبب الاهتمامات الأدبية والصحفية التي لمسها كلُ منّا في الآخر، ومن خلال المنتديات واللقاءات التي تعقد بين الفينة والأخرى على أرض الطائف المأنوس.
وشاء الله الذي لا راد لقدره أن يصاب خلال عمله بمرض ظل يعاوده من حين لآخر مما اضطره إلى السفر خارج المملكة للعلاج، ولكن دون جدوى، فقد تقوى عليه هذا المرض حتى ألزمه الفراش، وحوله إلى شلل كامل، استمر في معاناته نحو عشرين سنة حتى أتاه اليقين سنة 1417هـ -رحمه الله أسكنه فسيح جناته - وقد ترجمت له في كتابي (موسوعة أدباء الطائف ) في طبعتيه الأولى عام 1410،والثانية عام 1438هـ لإيماني بموهبته الشعرية الكبيرة.
من إخوانياته
من خلال بحثي في بعض أوراق مكتبتي عثرت على رسالة كان أرسلها إلي في أولى سفراته العلاجية سنة 1393هـ، وهي رسالة أدبية معبرة في أسلوبها ومدلولها، يقول فيها: «طلبتَ إليّ البحث عن أشياء نشرت لي ولم يسعفني الحظ بالعثور على بغيتك رغم أني أمضيت في مكتبتي المتواضعة وقتًا طويلًا فوجدت أن فأرًا خبيثًا قد عاث في كتبي فسادًا، وقضى على معظم ما كنت ترغب الحصول عليه، كفانا الله شر الفئران التي تقرض الكتب، والفئران التي تقرض الأعراض.
أنا يا عزيزي ورفيق دربي على أهبة السفر إلى تركيا للعلاج، وكثير من الأصدقاء رغبوا إلي العدول عن هذه الفكرة وكأنهم لم يقرأوا قصيدة ابن زريق المشهورة على كل لسان، التي جاء في بعض أبياتها يقول:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقًا ولكن ليس يسمعهُ
إلى قوله:
كأنما هو في حل ومرتحل
موكل بقضاء الله يذرعهُ
وشتان بين المطلبين، مطلبي، ومطلب ابن زريق وسوف أمضي حيث يريدني الله، أراد الله بنا وبكم خيرًا.
في ختام رسالتي إليك مداعبة شعرية أردت بها تسليتك، وفيها من الوضوح ما يُغني عن الشرح والتفصيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أنا رغم همي واحتراقي
والخوف من فرقة رفاقي
سيظل حبي للجميع
ولو يطول البعد باقي
لو أرجفوا رسل الشقاق
أو تمادوا في النفاق
سأظل أكبح شرهم
لو كان بالبيض الرقاق
كسطوة... الحجاج
في الأشرار من أرض العراق
ومن القصائد التي نشرت لهُ وما زلت أحفظ شيئًا منها قصيدة غزلية نشرت في الملحق الأدبي في مجلة اليمامة الأسبوعية، وكان يشرف عليها الأديب الشاعر السفير حسن عبدالله القرشي - رحمه الله - يقول في مطلعها:
رعى اللهُ حياً كنتُ أهوى مزارهُ
وقد هُيئت رغم الوشاة دروبُ
مضى زمنٌ والحبٌ يجمع شملنا
وترعى هوانا أنفسٌ وقلوبُ
وهي طويلة وقد ختمها بقوله:
إذا كان هذا مذهب الحب و الهوى
سنهربُ من درب الهوى و نتوبُ
رحم الله أبا بندر، فقد خدم أمته ومليكه ووطنه بكفاءة عالية وإخلاص مشهود، وأسهم في الساحتين الأدبية والصحفية إسهامات لا تُنسى.