الكل يشتكي من الفضاء، والكل يصرخ في وجه البرامج الرياضية، والبعض هجر تلك الفضائيات، ولم يعد يهتم بما يُقال فيها، ناهيك عن متابعتها، فما يقال اليوم هو تكرار للأمس، تغشاه «سطحية» لم تعد تستساغ عند المشاهد الذي أدرك أن وقته أثمن من أن يضيعه في مشاهدة ترهات.
هذه هي أزمة المتابع الرياضي السعودي مع البرامج الرياضية السعودية، تلك الأزمة التي يدرك المتخصص أنها لم تكن وليدة اللحظة، فقد بدأت منذ انطلاقة البرامج الرياضية، حيث كان الاستقطاب يعتمد على «الميول» لا على «الفكر والكوادر المؤهلة»، ولذلك «فشلت» البرامج، والأسى كل الأسى أن هذا «النمط» الذي كان يقوده الفكر «المتعصب»، واصل نموه في جميع البرامج عبر كل القنوات، وأصبح يتمدد دون وجود رادع له!
هذه المعاناة ما زالت مستمرة، وما زال المتابع الرياضي يعاني من «تردي» برامجنا الرياضية التي أصبح معظمها يقدم «السطحية»، ويتعمد بث «التعصب» ونشره لزيادة أعداد المتابعين، وهذا مرده وسببه الرئيس، فكر القائمين على تلك البرامج بما فيهم «المعدون» الذين «فشلوا» في مهمتهم مع مرتبة الشرف، وزادت المعاناة بعدم تخصص بعض المعدين، ووجود بعضهم بـ»الواسطة» أو «التوافق الميولي»، دون وجود أي خبرة أو شهادات في هذا المجال الحيوي، ولذلك «رسب» جل المعدين، بل بعضهم كشف عن تعصبه الممقوت بعد أن ترك مهمة الإعداد وأصبح يُقدم كـ ضيف يعبر عن آرائه التي فقد من خلالها توازنه الذي كان يدعيّه، وكشف عن تعصبه الذي كان يخفيه!
وربما كان يُحسب لبعض المعدين الذين رحلوا عن المشهد الرياضي صمتهم، وإن كانت أعمالهم ستبقى شاهدة عليهم إلا أنهم لم يقدموا أنفسهم بشكل «ساذج»، ولم يكشفوا أنفسهم أمام الملأ، كما فعل ويفعل بعض «المعدين» الذين تسنموا مسؤولية بعض البرامج، وكانوا يقررون ما يخرج على الهواء وما يُمنع، فأصبحوا اليوم «ضيوفا» يقدمون أنفسهم بتشنج غير مقبول، وكأن المتحدث جاء من مدرجات ناديه! ليطرح المتابع الرياضي سؤالا عريضا، كيف كان يقدم هذا المعد حلقاته وهو بهذا الكم من التعصب والتشنج؟! والمشكلة بل الكارثة أن بعضا من هؤلاء وصلوا لمرحلة «إدارة البرامج»، بمعنى أنه هو من كان يقرر ويسمح ببث المواد على الهواء، ومن يجيز المحاور والمواضيع واستقطاب الضيوف، فكيف حدث هذا؟! وكيف وصل لهذا المنصب وهو بهذا التعصب؟! ومن منحه الحق في أن يدير البرامج الرياضية وهو قد فشل في تجاوز الامتحان الأول والمهم، وهو الحياد والالتزام بـ»المهنية»؟!
أسئلة عديدة، فتح بابها خروج «معد متهور» عرى نفسه، وكشف أسرار كنا نعلم عنها ولكن بعض الجماهير لم تكتشفها حتى شاهدت بأعينها وسمعت بآذانها، فأدركت أن الوضع «مأساوي»، ويصعب الخروج منه ما لم يتصد لهذا «النهج» مسؤول يدرك ويعي حجم الكوارث التي في برامجنا الرياضية، خاصة أن من كشفوا أنفسهم يعتبرون نماذج فقط، وإلا حجم الكارثة «داخل مطبخ البرامج» أكبر بكثير مما يعيه المشاهد، ويتصوره المسؤول.
ما نشاهده ونسمعه اليوم ممن كانوا يعدون برامجنا الرياضية من «إسفاف» لا يمكن تجاوزه، فقد بلغ السيل الزبى، وإن كان مسؤولو القنوات الرياضية، لا يعون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فلا بد أن يظهر للمجتمع الرياضي، من يتحمل مسؤولية هذا «الغثاء» ويوقفه، ويبدأ من نقطة الصفر، لنصنع لنا بيئة إعلامية جاذبة، وتكون لدينا برامج رياضية تستحق المشاهدة، وتستطيع المنافسة، وإن لم يتحرك المسؤول فإننا اليوم نرى ونشاهد البواكير الأولى نحو أفول البرامج الرياضية وسقوطها، وهذا هو المتوقع، في ظل «الفكر الرجعي» الذي يسيطر عليها.
وتبقى أم الكوارث، حينما يُقدم للصفوف الأولى، من لا يستحق أن يكون في الطابور، كوجود بعض «محللي التحكيم»، الذين كان يفترض أن يكونوا حياديين، ويُحللوا ما يشاهدونه بكل أمانة، إلا إننا أصبحنا نشاهد «مخللين تحكيميين» وليسوا محللين، فشلوا في مهمتهم حينما كانوا حكاماً، وسقطوا سقوطا ذريعا في التحليل التحكيمي، بل بعضهم أصبحوا «مناديب» للأندية، لا قيمة لآرائهم الانطباعية التي تقوم على الميول والعواطف، ومثل هؤلاء وجودهم في البرامج الرياضية أشد من وجود إعلامي متعصب، فالمحلل التحكيمي يتحدث باسم القانون، ويثير الجمهور الرياضي، بل خطره يتجاوز ذلك، فتأثيره قد يمتد للحكام السعوديين الذين يتأثرون من كل ما يحيط بهم.
تحت السطر:
- في الإعلام، من كان يقدم «ميوله» على «مهنيته»، لا يمكن أن يتوقع النجاح، وإن توقعه فهذا خارج عن النص، لا يعي من الإعلام إلا اسمه.
- دون وعي منهم، زجوا به معهم، متوقعين أن يكون قوة لهم، ولكنهم سقطوا وأسقطوه معهم، فقد كشفوا كيف كانت تُدار البرامج الرياضية لدينا.
- يقول أحدهم: مدرب منتخبنا رينارد «هلالي»، لماذا؟ لأن أكثر متابعيه هلاليون!! ويقول آخر ميسي منفوخ!! ونسأل بعد هذا، لماذا برامجنا تعاني؟! هذا الفكر هو الذي «أعدم» برامجنا الرياضية وأوصلها لحالة التردي التي تعيشه منذ سنوات طويلة.
- لا يوجد أسوأ من «الإعلامي» الذي نزل بالبراشوت على الإعلام إلا المحلل «المخلل» التحكيمي الذي يثير الناس ويترك ردة فعل غير طبيعية ويتلاعب بالقانون من أجل الهوى والعواطف والميول.
** **
- سلطان الحارثي