د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعهدت السعودية بمضاعفة جهودها لخفض انبعاثات الكربون من 130 مليون طن إلى 278 مليون طن سنوياً بحلول 2030، والوصول إلى صاف صفر كربون بحلول عام 2060، وذلك كجزء من سلسلة مبادرات تشتمل عليها السعودية الخضراء التي ستتلقى استثمارات بقيمة تزيد على 700 مليار ريال.
يأتي تماشياً مع خفض انبعاثات الكربون والمحافظة على البيئة تعزيزاً للتنمية المستدامة، يأتي الإعلان عن إطلاق أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في إنشاء أول شركة سعودية (سير) في 2-11-2022 تماشياً مع إستراتيجية صندوق الاستثمارات التي تركز على إطلاق وتمكين القطاعات الواعدة لتنويع مصادر الاقتصاد السعودي وفقاً لأهداف رؤية 2030 .
من أجل دعم تمكين قطاعات إستراتيجية متعددة تدعم تطوير المنظومة الصناعية، وستقوم (سير) بتصميم وتصنيع وبيع السيارات الكهربائية المزوّدة بأنظمة تقنية متقدمة، كخاصية القيادة الذاتية، بنوعيها سيارات السيدان وسيارات الدفع الرباعي، بالشراكة بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة فوكسكون بعد حصول شركة سير على تراخيص تقنية المكونات المتعلقة بالسيارات الكهربائية من شركة بي إم دبليو لاستخدامها في تطوير المركبات، فيما تطور شركة فوكسوكو النظام الكهربائي للسيارات والتي سيتم تصميمها وتصنيعها بالكامل داخل السعودية وستكون متاحة للبيع عام 2025 .
وخصوصاً أن سوق السيارات الكهربائية العالمية نمت لتصبح 10 في المائة من حجم سوق السيارات الإجمالي، وبحسب جلوب نيوز واير أن تصبح 26 في المائة من مبيعات السيارات الجديدة كهربائية بحلول 2030، وهذا يدل على التحول الكبير لهذه الصناعة والمستقبل الواعد الذي ينتظرها في ظل الدعم الذي تتلقاه من الحكومات من خلال تقديم الحوافز والإعفاءات الضريبية.
ويتوقّع أن تنمو مبيعات السيارات في السعودية بحلول 2025 بمعدل نمو سنوي 24 في المائة، وأن تستحوذ السيارات الكهربائية على نسبة ما بين 5 إلى 7 في المائة من النمو بإجمالي 32 ألف سيارة.
يتولى المركز الوطني للتنمية الصناعية بتطوير صناعة السيارات، حيث بدأت تجربة السعودية في صناعة السيارات بشكل عملي في 2012 ، حيث انطلقت شركة أيسزو بإنتاج شاحنات في المنطقة الشرقية، وإنتاج قطع متنوعة للشاحنات مرسيدس وفولفو في المنطقة الغربية، وبحسب المركز الوطني للتنمية الصناعية فإن السعودية تستهدف أن تستحوذ على 50 في المائة من مبيعات السيارات في دول مجلس التعاون بحلول 2025 من نحو 1.15 مليون سيارة، من بينها 62 ألف سيارة كهربائية، وتحويل الواردات في هذا الجانب إلى صادرات، وتشجيع عديد من الاستثمارات الأخرى لشركات السيارات بشكل خاص، وهي إستراتيجية شبيه بالإستراتيجية الصينية والكورية التي نقلت المصانع إلى أرضها من خلالها استطاعت نقل التكنولوجيا التي تعد أحد أهم عقبات التطور الصناعي.
يعد صندوق الاستثمارات العامة أحد أبرز الجهات المهتمة بمجال السيارات الكهربائية، فقد استثمر في شركة لوسيد بنسبة 67 في المائة من أسهمها، بإجمالي 1.3 مليار دولار ما يعادل 17 مليار دولار حالياً من القيمة السوقية للشركة، ولدى الشركة خطط لإنشاء مصنع في السعودية إضافة إلى المصنع الوحيد في الولايات المتحدة بقدرة 155 ألف سيارة كهربائية سنوياً بتكلفة 3.4 مليار دولار، وسيتم التشغيل في غضون أربع سنوات وفقاً لخطط الشركة، وقد عانت الشركة من سلسلة الإمدادات العالمية، وبشكل خاص صعوبات في الحصول على رقائق أشباه الموصلات التي أعاقت التزام الشركة بإنتاج 20 ألف وحدة في 2022، لكن ما أنتجته الشركة فقط ما بين 12 إلى 14 ألف سيارة، على عكس سيارات تويوتا التي لم تعان من أزمة سلاسل الإمداد بسبب أن لديها مخزوناً من المكونات استطاعت تجاوز أزمة سلاسل الإمداد.
استثمر صندوق الاستثمارات العامة أزمة تعثر سلاسل إمدادات الرقائق الذي أثر على الإنتاج ومبيعات السيارات وتزايد ديون الشركات، فشارك الصندوق أيضاً في شركة أستون مارتن بالمساهمة بنحو 92.5 مليون دولار في الشركة أي بنحو 16.7 في المائة من أسهمها، فأصبح الصندوق ثاني أكبر مستثمر في الشركة بعد سحب اللقب من مرسيدس بنز الحاصلة على 9.7 في المائة من إجمالي الاستثمارات، وبذلك تكون الشركة تخلصت من ديون البالغة 1.54 مليار دولار بسبب نقص الرقائق الذي أثر على الإنتاج، مما أدى إلى نقص في المبيعات.
ولم يتوقف صندوق الاستثمارات العامة الاستثمار في شركة أستون مارتن، بل أيضا استثمر بنحو 551 مليون دولار في ماكلارين التي دخلت في شراكة لمنافسات فورمولا إي وإكستريم إلى جانب شراكة في مجمع أوكساجون للأبحاث والابتكار.
وهذه الاستثمارات لم تتوقف على صندوق الاستثمارات العامة، بل أيضاً يقوم القطاع الخاص بدور مماثل على غرار شركة عبد اللطيف جميل التي وقَّعت شراكة مع الشركة الهندية جريفز إلكتريك موبيلاتي للدراجات الكهربائية والسيارات التجارية الصغيرة بقيمة 220 مليون دولار.
بهذه الجهود تفتح آفاقاً جديدة للاقتصاد السعودي ليصبح مركزاً إنتاجياً إقليمياً خليجياً وإفريقياً وعربياً لإحدى أهم الصناعات المستقبلية التي تمتلك السعودية فيها مميزات نسبية وتنافسية عديدة، لتحقيق نمو وتنوع الاقتصاد السعودي، ويفتح آفاقاً استثمارية جديدة في الاقتصاد السعودي.