محمد سليمان العنقري
لم يمض على لقاء الرئيسين الصيني والأمريكي إلا أسابيع بعد أن اتفقا على فتح حوار صريح بينهما مبني على رغبة الطرفين بعدم الوصول لنزاع واسع سيكون ضرره بالغاً للطرفين حتى جاء تصريح وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام ليشعل فتيل المواجهة مع الصين، حيث وصفها بأنها قوة اقتصادية وعسكرية خطيرة بالنسبة لواشنطن، فرد عليه نظيره الصيني بأن علاقات بلاده مع أميركا تواجه تحديات خطيرة متعهداً بتعزيز العلاقة مع روسيا، ومبيناً أن سياسية أميركا تجاه الصين خاطئة وأنهم سيحمون مصالحهم الوطنية دون أي خوف من أي قوة مهيمنة بالعالم، فالمواجهة بين الدولتين تتصاعد منذ سنوات وأخذت أشكالاً عدة من حرب تجارية إلى انتشار عسكري بالقرب من الصين وكذلك دعم لتايوان لتبقى بعيدة عن التبعية المطلقة للصين.
فخطورة المواجهة بين أكبر اقتصادين بالعالم لا تحتاج إلى عناء في تبيان مدى كارثيتها على العالم، فهما يشكلان حوالي 42 بالمائة من حجم الناتج الإجمالي العالمي وأي حرب تجارية واسعة بينهما تعني سقوطاً لركود عميق بالاقتصاد العالمي بالإضافة لتبعات ذلك على دول كثيرة ترتبط بهما اقتصادياً ستتضرر وخصوصاً الدول الفقيرة، فالتناقض بالتصريحات الأمريكية تجاه الصين أصبح مربكاً للمشهد الدولي ومهدداً لانعدام الاستقرار الذي بالكاد ما زال قائماً، ففي الوقت الذي يصرّح به البيت الأبيض بأنه يعترف بصين واحدة فإن رئيسة مجلس النواب الأمريكي قامت بزيارة لتايوان في استعراض سياسي استفزازي لبكين طمعاً بأن تنجرف لحرب ضد تايوان لكن الصينيين فوّتوا الفرصة على واشنطن والتزموا سياسة متوازنة تجاه الاستفزاز الأمريكي المهدّد لسيادتهم، كما أعلنت بكين في وقتها بالإضافة لدعوات بايدن لفتح حوار صريح يفضي لعلاقات أفضل مع الصين فإن إدارته قدمت مشروعاً لميزانية الدفاع ضخماً جداً احتجت الصين على ماورد فيه من النية لدعم تايوان عسكرياً يضاف كل ذلك لتحركاتها السابقة في المحيطين الهادي والهندي وتأسيس حلف موجه ضد الصين مع أستراليا وبريطانيا، كما تحاول واشنطن تعزيز جبهتها بآسيا ضد الصين بتحالف تجذب له دولاً عديدة.
وتزداد وتيرة المواجهة لتصل أيضاً للقارة الإفريقية، حيث تمتلك الصين تفوقاً كبيراً على أميركا بعلاقاتها في القارة السمراء منذ سنوات من خلال شراكات تجارية وتمويل مشاريع بنى تحتية في 49 دولة إفريقية، حيث قدمت لها تمويلات بمئات المليارات من الدولارات على مدى عقدين، كما أن مبادرة الحزام والطريق صنعت للصين علاقات تجارية دولية مع عشرات الدول، وأصبحت بكين تنافس أميركا على مناطق جغرافية بالعالم كان لواشنطن علاقات كبيرة فيها إضافة إلى أن السوق الأمريكي أدمن البضاعة الصينية، فقد بلغ العجز الأمريكي بالميزان التجاري مع الصين منذ العام 2018 حتى هذا العام أكثر من 1.7 تريليون دولار ورغم ذلك تصر واشنطن على انتهاج سياسة متشددة مع الصين لأنها أحست بخطر بكين عليها بأنها قد تزيحها قريباً من صدارتها للاقتصاد العالمي، فمن الواضح أن واشنطن متجهة للتضييق على الصين مستقبلاً ولن يكون ذلك بالأمر الهين فعلاقات الصين الدولية اليوم أفضل من نظيرتها واشنطن لأنها لا تتدخل بشؤون الدول ولا تحاول تصدير قيمها لهم كما تفعل أميركا التي بدأت تواجه مشكلة إضافية بمواجهة الصين، حيث إن حلفاءها الأوروبيين صرحوا في أكثر من مناسبة بأن الصين ليست عدواً وبدون تعزيز علاقتهم معها بعيداً عن توجهات واشنطن، فالعالم لا يتحمّل أي تصعيد من نوع جديد بين قوى كبرى بعد أن تأثر كثيراً بحرب روسيا على أوكرانيا بارتفاع بالتضخم وتهديد بحدوث نقص بالسلع الغذائية قد يتحول أثره لمجاعة ببعض الدول الفقيرة، فمثل هذه المواجهة إذا تحولت لحرب اقتصادية بينهما تشمل التجارة وتنقل الاستثمارات قد يؤدي لحدوث أزمة مالية واقتصادية عالمية كارثية.
رغم حذر الدولتين بمنع الذهاب لتصعيد بينهما لكن تحركات واشنطن وتصريحاتها لا تبعث على التفاؤل كثيراً بأن تهدأ المواجهة بينهما ويتجها للحوار، فمن الواضح أن أميركا تريد إضعاف الصين وتتسارع خطواتها لهذا الهدف، فالقضية لواشنطن تعد مسألة وجودية وأن بقاءها بما تتمتع به من قوة وهيمنة دولية مرهون بإضعاف المنافسين وأولهم الصين، لكن بكل تأكيد لن يكون الأمر هيناً، فكما تحضر نفسها أميركا لمواجهة الصين فإن الأخيرة استعدت منذ سنوات لهذه اللحظة التي لم تعد معها واشنطن تملك الكثير من الأوراق لاحتواء الصين.