د.رفعة بنت موافق الدوسري
لقد أوقع أرسطو نظراءه اللاحقين في جدل معرفي حين عد دراسة السياسة أساسًا للعلوم؛ لأن كل أشكال الحياة وأنظمتها خاضعة لسيطرة الدولة. وهي ضمن هذا المفهوم أساس كل العلوم، وبقية العلوم والمعارف تخدم مصلحة السياسة بتقوية مكانها بين الأنظمة المعرفية الأخرى.
والواقع إن الحديث عن السياسة بوصفها حقلاً معرفياً يتطلب شيئًا من التأني؛ وذلك بسبب تعدد المفاهيم الدالة عليه واختلافها، ومن ثم تداخلها وتشابكها، نحو السلطة، والقوة، والحكم، فمنهم من يرى أن السياسة مرادفة للسلطة، قبل أن ينكر أرسطو في كتابه "السياسة" هذا الادعاء، مسوغاً أن هناك أشكالاً متعددة من السلطات التي تختلف كل منها عن الأخرى، وفق طبيعة موضوع السلطة. فهناك سلطة سياسية، تلك المتعلقة بشؤون الحكم، وهناك السلطة الأبوية تلك المتعلقة بعلاقة الأب بأبنائه، وهكذا...
ويرى بعضهم أن النشاط السياسي، نتاج السلطة والقوة، فمما ذكره بروهارولد لاسويل في تفسير صفة السياسي بأنه بناء وتقاسم القوة، وأن العمل السياسي هو الذي يقدم في منظورات القوة، والخلاصة كما صاغها روبرت داهل في صفة مفهوم السياسي بأنه مجموعة العلاقات التي تتناول الحكم والسلطة والقوة. وقيل في تعريف السياسة بأنها التركيب المستمر للعلاقات الإنسانية والذي يشمل إلى حد كبير القوة والحكم والسلطة. ولعل أمر تلك الصفات التي تشارك السياسة في خصائصها بات مسوغاً؛ حين أضفت السياسة على القوة صفة الشرعية فحولتها إلى سلطات مقبولة، ومثلها عندما ظهرت سلطة اللغة والبلاغة والحجاج بعد الحرب العالمية الثانية بوصفها بديلاً ديمقراطياً، عوضاً عن العنف والقوة العسكرية.