د. شاهر النهاري
يخرج البائع بظهره (لا يظهر وجهه)، من دكان المعصرة، ويسحب سلسلة بابها المزعج صريره، وهو يغني: عصرتك عصرتك.. عصرتك كثير.. عصرتك عصرتك.. يا أجمل عصير.
لحظات يسودها الصمت ويشيع الظلام، قبل أن تُسمع صرخة حادة وولولة تعاظم رعشات الخوف وسط الظلمة، ما يجعل صناديق الفاكهة تتفتح جوانبها، وتهب الموزة لتشعل النور، والجميع ينظرون للرمانة المشقوق جانبها، وهي تعاود عويلها وندب حظها: يا ويلي، يا للشقاء، لقد اتسع الشق في جانبي، وأنتم لا تشعرون، فإلى متى هذا الرعب، الذي نعيش حسرات ترقبه؟
تنظر لها البطيخة بملل: لست وحدك المشقوقة يا مجنونة، كل يوم تفزعينا بصراخك، متى تعقلي وتتركينا نهجع بعد عناء يوم طويل؟
الرمانة بغضب: أنا لست مجنونة، ولم أخصك بالحديث يا ثقيلة الطينة، أنا أستنهض همم الفواكه الواعية العاقلة الحريصة، التي يعتمد عليها.
المانجة: نومي أصبح ثقيلا بعد انتفاخ بطني، أرجوكم لا توقظوني.
تضحك البطيخة: صدقتك، أنا أضخمكم ولا تعتمدين علي؟
العنبة: ليست الأهمية بالحجم، ورب صغير يفعل ما تعجز عنه سلة فواكه.
التمرة: نعم.. نعم تعيرني بالحجم وهو وقار، وهذه حجة الضعفاء.
تضحك التفاحة بحشرجة: اسمع.. يا شاعر «أبو بلحة».. أنت مجرد تمرة، ولست محسوبا علينا نحن أصالة نكهة الفواكه.
التمرة: كل الجميلات ثقافتهن عمياء سطحية، ألا تعرفي أني أنا من تساقط من أعلى النخلة لتغذية من ولدت المعجزة متكئة على جذعي.
التفاحة: تهايط، وتحاول ادعاء الأصالة والمكانة العلية بالتمسح بالمرويات، أرجوك تكلم باحترام أمام من لها الأقدمية فحكاية شجرة الوجود تمت بمشاركتي، حين أخرج أبو البشر من الجنة.
الموزة: ولكن عملك حينها كان شريرا، وكذلك ما فعلتِ بمن قطعن أياديهن أمام شدة الحسن المغوي.
التفاحة: أرجوك، كلهم يسمح لهم بالنقد إلا أنت يا قاتلة والدها.
المانجا: آه يا بطني، أشعر بأني أنا من ابتلعته.
الموزة: كل هذا هراء خال من الاثبات العلمي والمنطق، أنا مجرد جزء من دورة حياة وترقي، ولست أنا من يحيي أو يميت.
الجوافة: يا له من ليل بلا طعم، كلكم تتكلمون عن النظريات والعلم والتاريخ مدللين على منتهى الجهل.
التفاحة: الجهل هو قدك المنتفخ الأسفل، أنا تأثيري المفيد أزليا أبديا، ولولا حيلتي بالسقوط من أعلى الشجرة ما عرفت البشرية أسرار الجاذبية.
الرمانة: حسنا.. حسنا، لسنا في سيرة تفاخر، وإلا لذكرتكم بتناغم صف حباتي، وأن نقاء وحسن لمعتها وتراصفها تنسب لها روعة الأسنان.
التينة: ارحمينا يا أم السوس، فكيف تكون الأسنان جميلة وهي متراكبة في صفوف حمراء؟
الموزة: معك حق، هذه أسنان فك وحش بحري مفترس.
التينة: كلنا لنا صفوف وبريق ولكنا لا نفاخر بها.
تضحك التمرة: إلا أنتِ فلا مجال لك للحديث عن الصفوف واللمعة، فما في جوفك: انفجار عبثي نووي، كانكسار للنوايا معنوي.
تصرخ التينة: هذا دليلي على سلة حقدك، ومحاولتك تغطية عيوبك بالتهجم على أعين الحسن والأصالة.
البرشومي: خناقات لا طائل منها، تعقلوا، لقد أنسيتمونا كعادتكم سبب صراخ الرمانة.
الليمونة: فعلا معك حق، القطرة الأولى في العين.. لا تنسى حرقتها.
البرتقالة: يا للعجب لقد أصبح لكِ صوتا، وأنت مجرد نسخة مقلدة باهتة صفراء عني.
الموزة: دوما تحتقرين الصفار، وكل الفواكه ناقصة عندك، أرجوك توقعي حتى لا تتفقعي.
البطيخة: رجاء.. رجاء دعوا روعة الحمرة لأهلها، ودعونا نعود للصرخة، التي كانت شعلة البداية، ماذا كنتِ تريدين توصيله لنا يا رمانة؟
رمانة بملل وغضب: لخبطتموني.. ألا تدركون كم يضيع من أعمارنا في مثل هذه النقاشات التافهة، أرجوكم ركزوا، واسمحوا لي بالكلام دون مقاطعة.
البرشومي وهو يضحك: لا أستطيع إدراك من منكم يريد التحدث معنا، فمن شقك يظهر مئات العيون.
المانجا: ليت من في بطني يخرج لأرتاح.
الرمانة: حسرة في عينك يا برشومة، ولن أجاريك في إساءاتك وأنت تعرف عيوبك، وانظر لشوكك لتلمس ما أقصد، فلا تعيب الآخرين فتعاب.
التمرة: على قدر أهل الوجوه تأتي خفافة الدم.
الرمانة: إخرس أيها المستشعر الصحراوي، ونهايتك أبيات هجاء تجعلك قطعة حنيني ناشفة.
تفاحة وهي تعاود مسح لمعتها: دعونا من الجفاف وسيرته، فمن منا نحن المرفهين يحتمله، فهو وبعد الشر.. بعد الشر إذا حان أفقدنا التميز واللذة والبريق، لتحضر التجاعيد ويغشانا العفن.
الموزة بحزن: أووف لا تذكريني بالجفاف وخطوطه السوداء، فهو عدو تماسكي، وعلامة دنو رحيلي.
الليمونة: صفارك يعجبني، ولكن الخوف فيك يرعبني.
البطيخة بضحكة: أنت أصل الخوف يا مر الجوف.
الجوافة: مرمر زماني.. لا بد ما يتمرمر.
تتصاعد الضحكات من كل الصناديق.
ثم يصرخ الجزر وهو يباعد بين شعراته: لم أفهم شيئا، ومشاعري تختلط بشعراتي، ولا أدرك أسباب صراخكم وعدم احترامكم لبعضكم، حواركم منحط.
فتجاوبه التفاحة بعصبية وسخرية: وما دخلك أنت، هل نسيت أنك مجرد خضروات، وطعام للجحوش؟
تتصاعد الضحكات.
الجزر بعصبية: ولكني أول من يُعصر معكم، وأول من يشارككم نكهاتكم، أنا العامل المشترك بينكم، أهذب طعمكم وأجعله سائغا في الكوكتيل.
التينة: آه يا رأسي، أشعر بالملل من حواركم السقيم، لماذا لا تدعونها تكمل كلامها.
الموزة: طبعا ستشهدين لها كونها تشبه جوفك المليء بالحبات الصغيرة المريبة، مثل ريبة الجوافة.
الجوافة: كنت صامتة باحترام، ولكنك تستثيريني بالإتيان على سيرتي!
الموزة: سيرة ماذا يا صاحبة الرائحة المزعجة؟
الجوافة: لا أريد التزحلق فوق قشرتك للأدنى.
التفاحة: لكم أشعر بالقرف كلما تذكرت ما في جوفك من حبوب مثل حبوب التينة.
التينة: كل جميلة غبية، أرجوك تذكري ولا تستنقصي مني فقد ذكرت في أعظم المقولات.
الموزة: ولكنك أقرنت بالزيتون، وهو مرارة ومخلل.
المانجا: وأنا يقولون أني «أمنجه الجو».
التفاحة: هذه دعابة سقيمة، اهتمي بما في بطنك.
يسمع صوت البائع، وهو يعيد فتح البوابة: لقد عرفت أني نسيت النور مشعلا.
يمد يده لإغلاق النور، ثم يسحب الباب مجددا، وهو يدندن: البرتقالة، البرتقالة...
تقفز الموزة، وتفتح النور بعصبية: عندي فوبيا من الظلام، سأظل أشعله مهما اشتكى هذا الثقيل من قيمة الفاتورة.
التفاحة: يالتعاسة ليلنا، تشعب في الأحاديث متعاكس متجدد لن يجعلنا نبلغ طعم اللب، فمتى تتركون كوكب الشرق، صاحبة صرخة « أعطني حريتي» تبين عن مزاج عصيرها.
التينة: سأعود لموضوعنا فحينما انتقدتِ أخذت كامل حريتك بالرد، والآن تسحبي مني حق كفلته لي حقوق الطيبات؟
التفاحة بقرف: تقصدين إحراجي باستخدام معاني الرقي؟ تكلمي لنرى، واعرفي من تتكلمين معه قبل أن تنفشي حباتك حولنا.
التينة: الغرور سيذبحك يوما وربما يعصرك.
المانجا: كنت خضراء عزباء، قبل أن يتهدل بطني، وأشعر بما فيه يكاد أن يخرج، على شكل شقف.
الرمانة بضحكة ضجر: كلنا سنقطع ونعصر، ألا تعقلون، ألا تشعرون بالخوف والقلق مثلي، نحن جميعا نموت بمجرد ديمومة شتاتنا أمام السكاكين والخلاطات، والفاجعة أن البعض منا يعتقد أنها خرفات، أعيد وأكرر، لا بد لنا من وقفة يقين ووعي وتوحد.
الجزر: نعم.. نعم نحن نموت بالقطع والفرم، والسحل حقيقة، ولكن ماذا تريدينا أن نفعل في قوى علوية لا يد لنا في إيقافها؟
البطيخة: أنا أرى أن نهرب.
الموزة: هل نسيت أننا لا نتدحرج مثلك، وقد يكلفنا ذلك حياتنا؟
البرشومي: لماذا لا نهجم على يدي من يقطعنا ونثخنه بالجراح ليتركنا؟
الموزة: أظنها فكرة ساذجة، نحن لا نملك الأشواك مثلك؟
البرتقالة: طبعا.. هذا شأوها النَعُومة، فلا يمكن أن تترك فرصة دون تذكيرنا بنعومتها.
التفاحة: يحق لها فنحن نواعم القشرة لا نعاني ولا نخجل من كثرت الندوب على سحنتنا مثلك.
الجوافة: كل بما في جوفه يقاس.
المانجا: أتركوا سيرة ما في الجوف، آااه يا بطني.
الجزر: تتهمنا مرة أخرى بالشخصنة والأنانية، وانحرف محور حديثنا، ولكن كلامكم مردود عليكم فقولوا لي ماذا ستفيدنا بعض الشعرات على أجسادنا وهي ليست شوكا ولا تسبب حساسية ليد من يلمسنا.
التمرة: تظل أيها الحبيب تلتصق بنا، وتنسى حبيبتي من تكون.
تضحك الموزة: «هههه»، وأنت عجزنا عن إفهامك، أنك لست منا، ولست شاعرا حقيقيا، حبيبي انتبه من حرارة الجو لا يكرمش حالك.
البطيخة: بحلاوة طعمكم، وتنوع فيتاميناتكم دعونا نعود للفكرة الأساسية، التي تطرحها أختنا الرمانة، فهي مستشرفه للقادم، ومعها كل الحق في مخاوفها، فماذا يمكن أن نفعل حيال ذلك؟
البرشومي: المخاوف تشملنا وتهدد حياتنا، ولكن العنصرية تباعد بين خطواتنا، نحن نركز على الاختلافات بيننا، ولا نبحث عن نقاط التلاقي، والأمر يحتاج لتنازلات وتعاون وتضحيات وليس لأمنيات ونظريات ومؤامرات وسرديات خرافية لا تصدق.
المانجا: أسمع البائع يغني مرات مانجا مصرية بلونين فأشعر بالفصام.
البرتقالة: أنا جسمي يقشعر كلما غنى لي أغنيته الجريئة عني.
البطيخة: كل أغانيه تحمل معاني التحرش، فهو ذكوري لا يعرف شيئا، حتى الزنجبيل!
التمرة: فعلا مغني نشاز، لا قافية، ولا جرس، وصوته مزعج.
العنبة: كلما أغلق باب العصارة ثارت أفكاركم من جديد، ولا أدري كيف تستدير أفكارنا، ونحن لا نتحرك بعدها إلا إلى قواطع أسنان وطواحن أضراس عصارته.
البرتقالة: كلامك أغنيات سامري، وسجع كهان مخادع لا ينطلي علينا، تذكر، فلسنا مثل البشر تخدعنا بعصيرك المخمر.
التمرة: أكاد أشك في نفسي لأني.. أرى أن هذا اعتقاد أسطوري، يفتقد للدراسة العلمية، فكلنا مثلها لنا نفس التأثير حال تخمرنا.
البطيخة تقهقه: أكاد أتقطع من الضحك، فمن سيخمرك أنت بالذات؟
التمرة بنعرة: هذا شرف أدعيه، ولو قرأت التاريخ لعرفت أني كنت فاكهة الصحراء ونبيذها وراحها، واسألي شعراء الغزل والعذرية ومديري الراحل.
المانجا: كلامك يطعن جوفي ويشعرني بقرب المخاض .
التفاحة بقرف: مزاج من يفعلون ذلك متدني، ولكن الظروف تحكم، والحاجة قاتلة، فنرجو عدم الخلط.
الجوافة: يا أختي الصناعات تتطور والانسان الشرير لم يترك لنا مفرا، يأكلوننا قضما، ويشربوننا عصرا وخمرا، ويبيعوننا حلويات ومثلجات، ويطعمون ما يتبقى من أليافنا للحيوانات، ويذهبون إلى أبعد من ذلك، ففاقتهم واختراعاتهم وشرورهم لا تتوقف.
الرمانة: عصركُم الزمان وشفطكم العطش، أنتم تقطعون ألياف أفكاري، وفكرتي تكاد تضمحل طموحاتها بينكم كما بذور نبتاتنا المهملة في جفاف أطراف الحقول، لماذا تروغون وتخرجون عن الموضوع؟
البرشومي: مشكلة حينما تحملوننا ما لا طاقة لنا به، وتريدون منا أن نصبح مثل البشر نتناقش بما يشبه المناظرات، ونحسب مقولاتنا بالقلم والورقة باحترام وتفاهم.
التفاحة: اعتقاد خاطئ آخر، وكم نراهم يستخدمون الجزم فيها، صدقني، الإنسان يعاني مثلنا من الهذرة وعدم التركيز، ومن التملص والمراوغة، والغرور، والتعميم، والتمسك بالوهم، والمرويات غير المثبتة، والإجابة بما لا يمت للسؤال بصلة، بل ويزيد علينا بالتطبيل.
الجوافة: وما التطبيل؟
التمرة: هذا تخصصي، أسمعه في مجالس الكرم والمديح، وبأشعار مبالغات تعزف على الربابة، وترقص عليها الشيلات.
الموزة: أنا أرفض هذه العنصرية والتصنيف المحطم لأي خصوصية وطموح، لماذا كل منكم يشعر أنه بلا خطيئة، وتجعلونا نهمل قيمة ذواتنا ونقذفها بأحجار يهون طحنها ونثرها غبارا في الأجواء.
المانجا: «آااه»، ليت ما بي بكم.
الجوافة: التعميم خيبة، وليس كل بشر محاور بعقل ومنطق، بل إن كثير منهم أسوأ منا.
البرتقالة: أنت تدق على الليف الحساس، فعلا يجب أن نثق بأنفسنا ونسمو ونميز كينونتنا، نحن مهمون لو صدقنا بذلك وعملنا على أساسه.
التفاحة: لا أعرف كيف تسلخين جلدك الثخين بين ساعة وساعة، لماذا لا تقفلين صرتك؟
البرتقالة: أنت غبية أو متغابية؟ ما دخل صرتي في الكلام؟
البطيخة: حديثكم دائري لا يبدي حماره من بياضه، مهما طبطبت عليه أيادي الطموحات.
الموزة: تخيلي كيف كان طعمك لو كنت بلا حبوب في جوفك.
المانجا: عندها، يا بختها، فحبة واحدة تقتلني.
البطيخة: وما دخل أبنائي، ولماذا تريدين ذبح محيطي بحد أسئلتك الغبية؟
الموزة: لا تغلطي، نحن نخوض حوارا جماعيا يهدف لصالحنا، وأنت تحاولين بغبائك تشتيت قوانا.
التينة: قوانا ترهات مزعومة، فنحن على خلاف دائم لا رؤية له، ولا تركيز على الهدف، ودوما تفرقنا كينونة القشرة، والتشكيك في النوايا.
الجوافة: أشعر بلون خضاري يخف، وكأن الصفار يتمدد في أسفلي.
التفاحة: قلنا لكم حافظوا على نعومة بشرتكم.
المانجا: وجهي متنفخ من النوم، والنوم سلطان.
التمرة: فعلا نامت عيوني وصحا الليل مظنوني، ترى، ماذا كان هدفنا الأساسي، لقد نسيت؟
الرمانة: أنا كذلك أكاد أن أنسى حتى من أنا.
التفاحة: ولكنك أنتِ من بدأت بالصراخ!
الرمانة: كنت مجنونة وعقلت.
الجزر: بل كنت عاقلة فجننت.
البطيخة: حرام عليكم ركزوا عصيركم.
الرمانة: حسنا.. حسنا لقد تذكرت، كنت أحلم أن ننفذ عملا جماعيا يخرجنا من نمطية هذه الأقفاص وينقذنا من العاصرات والمقصلة، لنتمكن من الهرب إلى حياة نحلم بها.
الموزة: تهربين إلى أين، وكيف؟
التمرة: أهرب من قلبي أروح على فين؟
المانجا: أنا سأنتظر مصيري يحدث من خلال الأمنيات حتى تهبني إكسير الحياة.
التينة: ولكن الأمنيات تواكل لا يغير من المصير.
المانجا: أنا صدقت بذلك بكل يقيني المكين، فقد حكت لي عنه فاكهة التنين وأقنعتني بأني لست وحدي.
التينة: وأين فاكهة التنين؟
المانجا: يقيني أنها مختفية ليوم عودة موعود.
التينة: هذا اعتقادك الغيبي، ولكني أريد شواهد عملية منطقية ملموسة.
المانجا: أنت الخسران، لو رفضت التمسك بيقين الأمنيات.
الجوافة: الهروب حقيقة، وليست وهما، ولكن شروطه معقدة أهمها أن يكون لك على الأقل قدمين.
التفاحة: كأني قد سمعت هذه الهذرات مرارا وتكرارا.
البطيخة تضحك: نعم سمعناها وطلعت أرواحنا من هذه الخربطة في كل ليل بعد إغلاق البوابة.
التمرة: نعم.. نعم هذا هو ما كان يدور بيننا، ويبدوا أنه نثر هلامي حر حداثي ممل مكرر لا ينتهي بقفلة وجرس.
الجزر: هل أنتم أغبياء إلى هذا الحد؟ نحن مجرد فواكه، ولا عقول ولا ذاكرة ولا معتقدات ولا ألسنة لنا.
البرتقالة: ولكنك لست منا، حبيبي اعقل، أنت قطعة خضار صدف أن لونها برتقالي.
البطيخة: ليس مهما من يقول، المهم ماذا يقول وأنا أعتقد أنه يقول كلاما مقنعا.
المانجا: الحقيقة ضالتنا، ولا بد أن تتحقق في النهاية، فأنصحكم بالتمسك بالأمنيات.
الموزة: أنا أكره التنين.
الليمونة تصرخ: يا بطيخة.. أنت سمينة قرعا بلا طعم، تحاولين تعميم طعمك الماسخ علينا.
الجزر: ولكن طعمها ليس مثلما تقولين.
الجوافة: أف لكم، رائحتي تتغير.
البرشومي: عيني في عينك يا جزر، هل ذقت يوما طعمها؟
الرمانة: انظروا أين تأخذوننا بتراهاتكم، رجاء ركزوا قبل أن نصبح مجرد كوكتيل لا تمايز فيه.
البطيخة: ستظلون دوما شعب فواكه كثير التخيلات والأوهام، قليل الأفعال، لسنا ممن يعقلون ويغيرون ويفعلون وينتجون، علينا الإقرار بالحقيقة، ثم الإنكار، ثم التغيير.
التفاحة: وما الغريب في ذلك؟ لقد أدمنا حياة الصناديق، ويقتلنا الخروج منها.
الرمانة: اصمتوا.. اصمتوا أنا أسمع البوابة تفتح مجددا.
صوت البياع، وهو يغني: عنبي.. يا عنبي يا عنابي.
التفاحة: غريبة، لماذا لا يغني للبرتقالة؟
البرتقالة: حظي النحس، لا شك أن صباح الرجيم قد عاد.
البطيخة: إذا لنصمت، وأغلقي النور يا موزة، وحافظي يا رمانة على أسباب صرختك وفكرتك وخطتك، حتى نعود لها بالمساء.
موزة: أنا لن أشعل النور حينها.
التينة: أنا سأقوم بذلك غدا.
التفاحة بين الضحك والملل: يا عالم من منا سيبقى للغد، كل شيء ضدنا، وحتى لو عشنا، فأنت يا موزة في ثالث يوم تيبسين ويعم جسدك السواد.
الموزة: لملمي حسرتك يا أشد من القتل، فالغيرة تقتلك.
الرمانة وهي تنظر لشقها: لا تقلقوا، أنا أستطع الانتظار ليوم قادم، ولكن ركزوا عصير أفكاركم لتذكيري بالموضوع الطازج غدا، وسوف أشفطه معكم قطرة بعد قطرة.
التمرة بلحن: هل ترون لنا من أمل، وحنان.. عيني عالعاشقين؟
الرمانة: أملكم يناهز عدد حباتي.
الجوافة: متى آخر مرة عديتيها؟
المانجا: كارثتي أني لا أعرف كيف أعد أكثر من واحد.
البائع: يا نخلتين في العلالي.
التمرة: يا ويلي، أتوب من الهياط، أنا لست بفاكهة.