سلمان بن محمد العُمري
كل نفس بحاجة الترويح والراحة النفسية قبل البدنية، خاصة لمن هم في كد وتعب بدني أو فكري، سواء كان ذلك في عمل عام أو خاص، وهذا الترويح يجب أن يكون في المباحات وبما أحل الله.
وحينما يكون الترويح عن النفس بمشاركة الأهل والأصحاب فستكون الفوائد متعددة؛ أولها بإدخال السرور على أهل بيتك، ثم على نفسك، وكذلك حينما تشارك من حولك الفرحة والبهجة والترويح، وفي هذه الأيام تكثر رحلات البر والتنزه في مناطقنا، ويسعد الجميع بدخول موسم الشتاء والتخييم في البراري و(الكشتات) وترداد الفرحة والبهجة إذا نزلت الأمطار، وارتوت الأرض وأخضر الروض، وحتى بدون ذلك فيكفي الاجتماع مع الأهل والأصدقاء في أجواء صافية نقية.
ومما يميز طلعات البراري والتخييم بعدها عن الرسميات والرتابة والأجواء التي تصحب المجالس، بل وحتى الاستراحات سواء في المأكل والملبس والأحاديث.
وقد تيسر لي -بحمد الله- خلال الإجازة الدراسية الماضية أن اجتمعت بأهل وأحبة في أكثر من رحلة برية، ووجدت فيها من الأنس والمتعة والراحة والفوائد والتسلية الشيء الكثير؛ فسعة الصدر -ولله الحمد- لا توصف، وأن تستمع لحديث أحد كبار السن، أو حينما يتحدث مختص بموضوع معين من العلم والأدب، بل وحتى المهن، وكذلك لا تخلو المجالس من «أنيس» يتحفك بطيب الآثار والأخبار من الماضي والحاضر أو وجود «سمار» ممن يحفظ من السامريات والهجيني والقصائد اللطيفة التي تحيي المجلس، أو وجود شاعر يتحفك بالأبيات الجميلة والعذبة، وهكذا يدور المجلس بين سالفة وقصيدة وهجينية وسامرية أو فائدة علمية، وكأنك تتنقل في روضة من الرياض وتنتقي من الأزهار النادية.
والبعض لا يعرف لسعة الصدر مكانًا لا على نفسه ولا على من حوله وحتى إن خرج للنزهة مع أهل أو صحبته تجده كما يقول العوام «مغلدم»، بل يتعدى ذلك بألا يكتفي بتوزيع «الحملقات» النظرية على الحضور، بل يتعداها إلى تقييم الحضور فيما بعد اللقاء، وما أن يركب سيارته حتى ينقل لمن معه انطباعاته النفسية السيئة على من في المجلس، ويحلل شخصيات الحضور فيما يظن أنه صحيحًا، وثمة آخرون (لا طبخ ولا شوي) فهو لا يقوم بالخدمة ولا يمد يده، ولا يشارك بحديث، فهو على الصامت قولًا وفعلًا، ووجوده في المجلس كعدمه.
وآخر «نقاده» يتولى المداخلات على كل متحدث، ويعدل ويصوب ويضيف ويزيد ويقاطع، ولا يدع لمن يتحدث فرصة في إكمال حديثه، وأسوأ منه من يشغل من المجلس بأحاديث جانبية، وأحياناً بصوت مرتفع، وهناك من يتحدث وينصت له الجميع.
نعم مجالس البر ليست كمجالس المدينة، وكما قال الشافعي -رحمه الله- «ليس من الوقار إظهار الأدب في البستان»، ولكن حينما يكون الإنسان في أي مجلس، فعليه آداب والتزامات يفرضها الدين والذوق العام، مع التأكيد على أن كل هذا لا يتنافى مع الدعوة إلى البهجة والسرور لك وللحضور، وسعة الصدر فيما أحل الله سبحانه وتعالى، وتجنب الغيبة والنميمة، والبذيء من القول، وما يحدث الفتنة وما يثير الضغينة في النفوس.