من نافلة القول أن الإعلام يعد السلاح الأمضى، والأسرع في عملية النهضة الشاملة من دون نكير؛ وفي العصر الحديث أصبح الناس ملتصقين بشاشاتهم الذكية، ولوحاتهم الكفية، والحق أن الإعلام يمثِّل «السلطة الأولى»، الذي يحرك القادة، فمن دونه لم يسلم من ذلك؛ إلا القليل من المسؤولين الصناديد، والسياسيين المحنكين الذين يدركون موازين السياسة، وتقديرات الإعلام، من الذين تشرّبوا لبن السياسة السائغ، وعسل الإعلام الصافي، وخبروا دروبها المنجية، وأزقتها المضللة؛ بحيث أنهم لا ينجرون البتة خلف «تهويلات» الإعلام، ولا «تهويناتها»! ومما يحضرني -في هذا المقام- كلمة (نائب الرئيس الرواندي)؛ حين حضر مؤتمراً دولياً في السودان؛ فلما سُئل عن الأسباب التي حدت به لتجشّم عناء الوصول؛ فما كان منه إلا أن قال كلمة ملؤها الاعتراف، والوفاء للسودان، ثم أتبع القول: كان لا بد من أن أعرض عمَّا يثيره الإعلام عن السودان، والذي لا أجد له تفسيراً؛ إلا خطاب الكراهية، والحقد، والحسد، وإثارة القلاقل لهذه الدولة المسلمة، والأبية، وأنا ألا أتعرض للإعلام؛ لأتصرف على ضوء ما يقرّره لي؛ بل المسؤول، والقائد القوي الأمين هو من يجعل الإعلام يرضخ له! كان ذلك درساً إعلامياً، وسياسياً مفيدين، وصارمين، للحضور الكرام، الذين من بينهم الرئيس، والوزير، والمدير، وأعضاء هيئة التدريس، والمسؤولون، وصنَّاع القرار؛ لمن اعتبر! فليت شعري أوعي الدرس من ذلك الرجل الأعجمي صاحب البضاعة المزجاة في العربية والشريعة؛ ولكنه الألمعي الذي يعتز بالإسلام الحنيف، وقيمه الرفيعة، ومثله العليا بما في ذلك التبيّن، وعدم اتهام «للآخر»، أو تشويه صورته؛ إلا بقواطع الأدلة، والنأي عن «الأمعيات السياسية»، و»الانطباعات الإعلامية» الساذجة، فكم في وسائل الإعلام من صنوف التجاوزات الإعلامية الخطيرة، والتي - واحدة منها- تكفي لتدمير أمة برمتها؛ لو انفردت؛ فكيف لو اجتمعت؟! فذلكم «طوفان جارف»، يجب ركوب السفينة الإعلامية الهادفة؛ للحذر منه، كذا ما ينبغي أن يكون هِجِّيرَى «المتلقي»، مع العلم بأن الرجل لو كان من الدول الصناعية الكبرى لكرِّم؛ ولخلِّدت ذكراه. وما أخال الرجل إن سبق الناس في شيء؛ إلا لأنه قد فاقهم في امتلاك الشجاعة الأدبية، والمهارة الإعلامية الحقيقية، والموضوعية، والإنصاف، وقيم البر، والتسامح، والاعتراف بالآخر، ونبذ خطابات الكراهية بأصنافها، والتجرد بأنواعه، والفهملثاقب للجانب الإداري، والقيادي، والإعلامي...، وتطبيق الإسلام شعاراً وشريعة؛ مما جعله لا يقوى على أن يضارع؛ بل ويلوي عنقي الإعلام، ويمسك بتلابيب السياسة إليه؛ ليضعهما في الميزان، نحسبه كذلك، وعلى الله لا نزكي أحداً، رزقنا الله حسن الائتساء بسيد العظماء -عليه الصلاة والسلام-.