اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وفي ظل هذا الوضع فتحت الأزمة الأوكرانية الباب على مصراعيه لروسيا من جهة وأمريكا ومعسكرها الغربي من جهة ثانية للتعاطي مع الحرب الهجينة بجميع أبعادها ومستوياتها الأرضية والفضائية، الأمر الذي أصبحت معه إستراتيجية الردع النووي على المحك والإرادات السياسية والغايات الإستراتيجية والمذاهب العسكرية في المعترك.
وتعتبر دولة أوكرانيا دولة محورية جيوبوليتيكية تتوفر في موقعها جميع المزايا الإستراتيجية بالنسبة لأطراف الصراع وبالتحديد روسيا ووجودها إلى جانب روسيا يضيف إلى قوة الروس قوة ممتدة عبر أوروبا وآسيا، بوصفها تمثّل حجر الزاوية للدفاعات الروسية ويوجد بها اكبر قومية روسية خارج روسيا، كما أن أوكرانيا الموالية للروس تدعم أمن روسيا القومي ضد حلف شمال الأطلسي وتساعد على إبراز مكانتها الإقليمية والدولية وضمان مصالحها الجيواستراتيجية على النحو الذي يزيد نفوذها الجيوسياسي في دول شرق أوروبا والقوقاز والبحر الأسود، وما يعنيه ذلك من تعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية وتكريس وجودها السياسي والأمني على المستوى الإقليمي والأوروبي، ناهيك عن الأمن المشترك فيما يتعلق بالطاقة وتقاسم العوامل المؤثرة في مجال الصناعة والزراعة.
ودول الاتحاد الأوروبي تنظر إلى أوكرانيا المستقلة وذات السيادة بأنها تشكل حاجزاً يحجز بين دول الاتحاد وبين روسيا باعتبارها بمثابة منطقة عازلة توفر لدول الاتحاد أمنها القومي، وتنأى بها عن التهديدات الروسية والنفوذ الروسي، وفي الوقت نفسه تمثّل منطقة عبور تعبر من خلالها إمدادات الطاقة إلى أوروبا مع المحافظة على العلاقات السياسية والاقتصادية مع روسيا وخاصة المتعلقة بالطاقة التي تحتاج إليها الدول الأوروبية دون المساس بأمنها القومي والزج بها في متاهات الصراع الهجين.
وموقع أوكرانيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يحظى بأهمية بالغة على المستويين الجيوسياسي والجيواستراتيجي لتحجيم روسيا والحد من النفوذ الروسي في المنطقة بالشكل الذي يفسح المجال لأمريكا لكي تضاعف نفوذها وتفرض سيطرتها ووجودها في المنطقة بدون منازع مع ضمان حرية حركة قوات حلف شمال الأطلسي عبر مواني أوكرانيا على البحر الأسود.
وقد تحولت أرض الدولة الأوكرانية إلى ساحة استباحة لنزاع مشين وصراع هجين، يشترك فيه دول كبرى ذات قدرات نووية وجدت في هذا الصراع المركب والمختلط مبرراً لانتهاك قوانين الحرب وأعرافها الدولية، واتخاذ قيود الردع النووي مسوغاً للإفراط في استخدام أساليب ووسائل الحرب الهجينة المجرّمة والمحَّرمة.
وبعد أن وصلت الأزمة الأوكرانية إلى ما وصلت إليه وتجاوزت الحرب الهجينة حدودها بين روسيا والمعسكر الغربي واختلاط الأوراق وتصادم الإرادات بين أطراف الصراع أصبح من الصعب التنبؤ بمستقبل الأزمة والسيناريوهات المحتملة لحلها نتيجة لتعذر الحل العسكري واعتبار الحل السياسي بعيد المنال مما ينذر بطول أمد الصراع واستنزاف أطرافه والوصول به إلى نهاية كارثية وحرب عالمية ما لم يُضحي كل طرف بالتنازل عن جانب كبير من أهدافه المعلنة.
وإذا كان الأمر يستدعي ما قرع بابه وجذب أهدابه فإن دولة إيران الصفوية المجوسية منذ اندلاع ثورتها تبنّت تنفيذ مشاريع القوى الاستعمارية، وركبت موجة معادية لجيرانها العرب، حيث شنت حرباً هجينة ضد الدول العربية، منطلقة من مذهبها الرافضي ودستورها الثوري، ومستخدمة أذرعها ووكلائها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن لتحقيق أهدافها ومطامعها على حساب جوارها العربي وأمن واستقرار المنطقة.
وعلى ضوء ما يمر به العالم من صراعات هجينة مختلطة وسياسات غير منضبطة من جراء الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بدول العالم وفي مقدمتها الصراع الدائر في أوكرانيا وما ترتب عليه من تبعات أمنية واقتصادية وبالتحديد أزمة الطاقة والتضخم والشح في المواد الغذائية يتعين على الدول العربية معالجة همومها ومشكلاتها القائمة والتحسب لتلك القادمة لصيانة الإنجاز الموجود والبحث عن المفقود.
وتحسباً للحرب الهجينة التي تثار من دول استعمارية ويستجيب لها تنظيمات مهجنة ذات أهداف ملونة مطلوب من دول مجلس التعاون خاصة، والدول العربية عامة صياغة إستراتيجيات وقائية مناسبة على المستويات القطرية والقومية لاستباق مثل هذه المؤامرات والتغلب عليها عن طريق إصلاح الذات ومعرفة نقاط الضعف ومعالجتها مع الأخذ في الحسبان أن حروب هذا العصر المركبة والمختلطة تشن وفقاً لنظرية «حرب إفشال الدولة الخصم»، وتغليف هذه النظرية بتدويل النزاع وتهجين الصراع.
والاهتمام بعوامل قوة الدولة المتمثلة في العوامل العلمية والثقافية والسياسية والعسكرية والاقتصادية هو السبيل إلى مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية لضمان امتلاك ناصية سياسة القوة وقوة السياسة من أجل التكيّف مع ما يطرأ من حروب هجينة والتعامل معها كما ينبغي على مستوى الفضاء الكوني والفضاء الرقمي.
ولتفويت الفرصة على دعاة الحرب الهجينة من أعداء الدين والوطن يتطلب الأمر التفاف الشعوب حول قياداتها وتنمية الوازع الديني والحس الوطني وتمتين اللحمة الوطنية وتعزيز المفهوم القومي والحضاري لإيصاد الباب في وجه كل من تسوّل له نفسه إثارة الفتن والاصطياد في الماء العكر من كل هجين ظالم يستخدم ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير وسجناء الرأي وما يماثلها لفعل ما لا يجوز والإساءة إلى الرموز من أجل بلوغ أهدافه ومآربه.
ومن المنظور نفسه يلزم المحافظة على الأمن الوطني لكل دولة والأمن القومي لجميع الدول العربية، وإصلاح الفساد ومحاربة التطرف، والتعامل مع القوى الكبرى بالأسلوب السياسي الحكيم والنهج القياسي السليم، في بيئة يسودها الاحترام المتبادل والندية بعيداً عن المساومة والابتزاز.
وانتماء المواطن لدينه ووطنه وإدراكه لمفهوم الوطنية ومكانة الوطن وواجبات المواطن تجاهه يتم من خلال اتباع المنهج الديني وعدل الحاكم وطاعة المحكوم ونشر الوعي المجتمعي وبيان أهمية تماسك المجتمع الداخلي تحت راية الوطن الآمن والمجتمع المتضامن الذي ينظر أفراده إلى طاعة القيادة وحرمة الدولة من منظور المنتمي المخلص الذي يرفض الأفكار الفاسدة والخرافات المستوردة من المحسوبين على الداخل كما يمثّل ذلك النهج صخرة تتحطم عليها محاولات الأعداء من الخارج.