د. إبراهيم بن جلال فضلون
من سوء الطالع، وقد يكون جيداً للطبيعة البشرية، الاستمتاع لسماع كل شيء ولو كانت الأخبار السيئة، ومنهم من يتملكه الفضول للمعرفة، وإن كانت خاصة بالآخرين، قد تكون إنسانًا مُتشائمًا، كأستاذ التشاؤم الاقتصادي «نورييل روبيني»، الذي حذر من سلسلة أزمات متوالية لا انفراج فيها منذ حرب كوفيد البشرية 2019، دخولاً للغزو الروسي لأوكرانيا جاراتها وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي الذي انهار وسبب التضخم الفادح الذي سجل أعلى المستويات منذ السبعينيات والثمانينيات، وارتفاع الفائدة لأكثر من أربع مرات في شهر واحد، ممتدة لحرب الغاز والنفط الذي أفرز شراكات وقوى جديدة تصعد للواجهة منطلقة من الخليج العربي والشرق الأوسط الذي يقبع تحت نيران الثورات والانقسامات الداخلية وما لأيدي الإرهاب الإيراني فيها، لتتتابع سلسلة الأزمات من ارتفاع أسعار واحترار مناخي الذي لا جدوى من حلولهما الحالية وغيرها، منذرة بعام قاتم.. بل و»متعدد الأزمات» بحسب تعبير المؤرخ آدم توز، والتي يراها «رويل بيتسما» أستاذ الاقتصاد في جامعة أمستردام بمزيد من التعقيد منذ الحرب العالمية الثانية، وأنها تفاقمت بأوائل القرن مع الأزمة المالية 2008 وأزمة الديون السيادية ووباء كوفيد - 19 وأزمة الطاقة الحالية، والجفاف والفيضانات والاختراقات السيبرانية وتأثيراتها في الأنشطة التجارية، وتراكم الديون العامة والخاصة في العقود القليلة الماضية، لاسيما الديون الصينية للدول التي اغرقتها لدرجة أن أي محاولة لسحب السيولة من الأسواق ستعقد من الأدوار الحكومية التي تعتمد في ميزانياتها على الاقتراض.
كل ذلك قد يكون تمهيداً لما هو أسوأ في تقديري بأوبئة وجوائح مدمرة ستكون مكلفة جدا ومن الصعب السيطرة عليها، ليُصبح السبب في فقر الملايين ومهددا الأسر في الدول الفقيرة بمزيد من البؤس جراء اختلالات العرض وارتفاع الطلب، لذا، فأي تدخل من قبل «الفيدرالي» لخفض التضخم إلى قرب 2 في المائة دوما، يؤدي إلى ركود اقتصادي.. رغم تراجعه إلى 10 في المائة في منطقة اليورو في نوفمبر و6 في المائة في الولايات المتحدة في أكتوبر، وتخفيف الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي رفع معدلات الفائدة ديسمبر 2022 المقدم لعام أكثر تشاؤمياً، وليزيد التعقيد تعقيداً باتساع الفجوة بين الأثرياء وعامة الناس في الدول كافة، وكأننا سنعود إلى العقود الثلاثة الأولى من القرن الـ20، وأبعد في جودتها ورفاهيتها عن العقود الأربعة التالية للحرب العالمية الثانية.
لقد امتلأت الحياة بخلافات الدول لاسيما القوى الكُبرى، التي لم يجمعها سوى تحديات كادت تعصف بهام بل وعصفت بمعظمهم، بطريقة جعلت تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي متفائلة بشأن النمو في 2022، وانتعاش الاقتصاد بنسبة 5.5 في المائة في 2021، لكن لم تأت الرياح بما تشتهي السُفُنُ فتباطأ النمو عند مستويات أعلى من 4 في المائة هذا العام في ظل استمرار اختناقات سلاسل الإمداد.
وقد بات اقتصاد الغول الصيني ينخفض نموه في 2022 مستمراً للعام القادم، ليبدوا لنا بالمشهد خمسة تحولات مُستمرة هي الأكثر إلحاحاً لعام أكثر تشاؤمية، وتمثل هذه التحولات التغيرات في سباق التسلح بين القوى الكُبرى أميركا وأوروبا المنقسمة سياسياً من الداخل، يقابلهما روسيا والصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وشرق آسيا التي يتسارع فيها سباق التسلح والتضخم وانهيار الدولار وارتفاع أسعار الأغذية، وتغير العلاقة بين الهند وروسيا، وتفاقم هجرة العقول من إفريقيا، وكل ذلك وهناك قوة عربية تخرج من رحم الشرق الأوسط.