د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عندما يهطل المطر لا بد للقريحة أن تجود بما يتناسب مع بشائره، ولا بد من أن تغمر السعادة القلوب، وتطمئن النفوس ويحدونا الأمل، فالمطر يرتبط كثيراً بالأمل، فبوجوده يتطلع الإنسان إلى فوائد شتى، من جميع فئات المجتمع في العالم كله، فالناس في كل أقطار كوكبنا تحتاج إلى المطر والماء لكي تزرع وتأكل وترعى أغنامها ومواشيها.
لا شك أن المناطق شحيحة نزول المطر في كل أنحاء العالم، لاسيما الصحراوية منها، تكون أكثر حاجة له، وأهلها أكثر سعادة بقدومه، فأبناء البادية والرعاة بنزوله تتوفر لديهم كميات من الكلأ تكفيهم، أو تقلل حاجتهم إلى التغذية بما يجلب من الأسواق، وهي بهذا أفضل فائدة، وأزكى إنتاجاً، وأوفق أن يكون الربح أكثر، وأبناء الحضر أو سكان المدن سيجدون متعة بمشاهدة القطرات تتساقط على البيوت، والشوارع، والأزقة، والمياه تنساب من خلال الشوارع باحثة عن مخرج لها تتدفق من خلاله إلى ما هو أرحب، أو إلى شاطئ بحر تتدفق إليه، وستخرج الجموع إلى الصحراء لتستمتع برائحة الندى، ومنظر الرمال التي يتحول لونها إلى اللون الذهبي المشرق، أو التمتع بمنظر الصحاري، وضفاف الأودية والسيول تجري بين جنبات الوادي لتضيف إلى نحته السابق الذي تم عبر ملايين السنين نحتاً جديداً، حتى وإن كان بالجزء من المليمتر، لكن لا بد وأن يرسم تاريخاً على هذا الوادي يسجل من خلاله سجلاً خالداً عبر الزمن، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
عندما ينزل المطر يحضر الأمل بالرخاء والجمال والبهجة، ويستبشر المزارعون بارتفاع في كميات مياه آبارهم، ويسعد ملاَّك الأغنام والأنعام بما سيعود عليهم من فوائد، وسيكون الأمل دائم الحضور مع حضور المطر، وستهنأ الأنفس، وتتطلع إلى أفق أرحب يحمل الكثير من الخير والنماء، ولا بد أن الأشجار ستحصل على نصيبها من ذلك الخير القادم، فتنمو وتكثر، ويبتعد شبح التصحّر، وتساعد في الحفاظ على مناخ كوكبنا، الذي أثرت عليه سلباً صناعاتنا المجحفة، والتي تسببت في ارتفاع درجة حرارته من خلال الاحتباس الحراري، وما زال العالم يدق ناقوس الخطر القادم لما سيؤول إليه كوكبنا بفعل أيدينا من خلال تدميره البطيء عبر الاحتباس الحراري، أو تدميره السريع في حال استخدام أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي، أو البيولوجي، أو الكيميائي.
فيما مضي كان الاحتطاب عادة في فصل الشتاء لحاجة الناس إليه، وكان الاحتطاب الجائر آفة من آفات القضاء على الطبيعة وتسويتها، لاسيما في الصحاري التي تشح فيها الأشجار، وكادت أن تندثر، غير أن القوانين التي سنّت لحمايتها، والعقوبات التي أقرّت على المخالفين، والحرص على التطبيق، ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الطبيعة، واليوم لا نكاد نرى احتطاباً إلا فيما ندر، حتى إن من أخذ أمتعته وانطلق في الفيافي مستمتعاً بجمالها مع نزول المطر، يحمل حطبه معه، ويمتنع عن أخذ تلك الأعواد المتناثرة بقرب مخيمه، أو مكان جلوسه خوفاً من تطبيق المخافة عليه، ولا شك أن هذا سوف يساعد في حماية البيئة التي يزينها المطر عند نزوله، كما أن زيادة التشجير وانتشار المحميات كان له أثر واضح في زيادة المساحات المغطاة بالأشجار البرية.
لقد كان وما زال المطر والطبيعة مثيرة لشاعرية الشعراء والأدباء، فيحفزهم نزول المطر على الصدح بقصائد في وصفه وما يصاحبه من جمال الطبيعة، لاسيما إذا كان بصحبة بعض الأصدقاء، فها هو الشاعر الأندلسي الرصافي، يجلس في بستان صديقه موسى بن رزق، فيقول:
زهر يرف وجدول يتدفق
ما مثل موضعك ابن رزق موضع
ومنها:
وعشية لبست ثياب شحوبها
والجو بالغيم الرقيق مقنع
بلغت بنا أمد السرور تألفا
والليل نحو فراقنا يتطلع
وها هو يقول في موضع آخر:
أَدِرها فَالغَمامَةُ قَد أَجالَت
سُيوفَ البَرقِ في لِمَمِ البِطاحِ
وَراقَ الرَوضُ طاووساً بَهِيّاً
تَهُبُّ عَلَيهِ أَنفاسُ الرِياحِ
تَقولُ وَقَد ثَنى قُزَحٌ عَلَيهِ
ثِيابَ الغَيمِ مُعلَمَةَ النَواحي
خُذوا لِلصَّحوِ أُهبَتَكُم فَإِنِّي
أَعَرتُ المُزنَ قادِمَتَي جَناحِ
ولعله في قوله: أدرها، يقصد كأساً من الماء أو اللبن.
وقال ابن خفاجة، يصف الطبيعة:
رَقَصَ القَضيبُ بِها وَقَد شَرِبَ الثَرى
وَشَدا الحَمامُ وَصَفَّقَ التَيّارُ
غَنّاءَ أَلحَفَ عِطفَها الوَرَقُ النَدي
وَاِلتَفَّ في جَنَباتِها النُوّارُ
أليس جمال الطبيعة يبعث في النفوس السرور؟