د. فهد بن علي العليان
رجعت من البعثة الدراسية عام 1422ه، لأستقر في جامعتي مع زملائي نقاشا ومع طلابي تعليما وبحثا، وتستمر السنون لأجد نفسي منخرطا بالعمل في مجال المسؤولية المجتمعية؛ حيث المشاركة في برامج وأنشطة متعددة، ثم انتقلت – بعد ذلك – للعمل رئيسا للمسؤولية الاجتماعية في بنك الجزيرة مطلع عام 2008م، وفي يوم الخميس الأول من الشهر الأول لعام 2015 م أُسند إليّ عمل إضافي ومهمة جديدة في البنك وهي أمين اللجنة الشرعية لأكون مسؤولا عن التقارير التي ترفع للجنة وعن جدول اجتماعاتها وما يتعلق بذلك من ألفه إلى يائه، فاستعنت بالله، ثم بدعم أخي (لاحم بن حمد الناصر) الذي صحبته وصحبني إلى هذا اليوم، وهو الخبير في مجال المصرفية الإسلامية، والعارف بأبوابها والدهاليز.
بدأت أعد وأستعد لوضع مفردات اجتماع اللجنة الشرعية التي تضم علماء أفاضل (عبدالله المنيع، عبدالله المطلق، عبدالستار أبو غدة - رحمه الله-، محمد القري)، ثم هاهو الاجتماع الأول لي بحضرتهم وحضورهم لأقرأ عليهم جدول الأعمال، ومن ثم البدء بفقراته واحدة تلو الأخرى متضمنا التقارير كلها، لنتلقى من علمائنا الأكارم التوجيه والتصويب والتسديد. وفي تلك الأثناء وخلال اجتماعات كثيرة، جذبني وأسرني الأخلاق الرفيعة التي يتمتع بها (د. محمد القري)؛ فقد لفت نظري سعة اطلاعه في قضايا شرعية واقتصادية ولغوية كيف لا وهو الذي تخرج من جامعة الملك عبد العزيز، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتخصص منذ تخرجه في الاقتصاد الإسلامي، وهو كذلك المدير السابق لمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، كما أنه خبير في المجمع الفقهي الإسلامي الدولي، وعضو في المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وعضو في هيئات التحرير لعدد من المجلات العلمية واللجان الأكاديمية في مجال الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي والفقه. وللدكتور القري العديد من المؤلفات في مجال الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، والتمويل الإسلامي وعشرات البحوث والمقالات في المجلات العلمية باللغة العربية والإنجليزية.
ومع نهاية كل اجتماع كنت أترقب الاجتماع الذي يليه؛ لأفوز بتصويبات (القري) اللغوية، واستشهاداته الحاضرة في ذهنه بلغة فصيحة غير متكلفة، وتمريراته لكثير من الفوائد العلمية بكل تواضع، وهكذا استمرت لقاءاتي به وقويت علاقتي به خلال سنوات عديدة أدركت من خلالها أنه من أهل اللغة والفصاحة والبيان، كما أنه منظم في وقته ودقيق في مواعيده وعلمي في طرحه، لديه الاستعداد للنقاش والمناقشة للوصول إلى رأي مشترك، يبذل وقته وطاقته في سبيل نشر العلم والمعرفة، وهو داعم ومساند لمن هم في عداد تلاميذه.
تبقى شخصية الدكتور القري شخصية وسطية ومتوازنة، تقدم لمن حولها كل سبل الدعم والمساندة، وهو منكر لذاته يأتي في أول الاجتماع ويغادر في آخره، تعلمنا ونتعلم منه التواضع حين يطرح آراءه حول كثير من القضايا، ويشارك بفعالية في المنتديات واللقاءات المتعلقة بالمصرفية الإسلامية، كما تبدو نظرته للعمل المصرفي نابعة من رؤيته المستقبلية للقطاع المصرفي الإسلامي، ويجذبني كثيرا باستشهاداته اللغوية حينما نتوقف للاستراحة في أثناء جدول الاجتماع الذي يطول أحايين كثيرة، كما أنه من المجيدين للغة الإنجليزية، ويبهرك كذلك حينما يبادر دون تأخير بالاطلاع على الملفات والرد عليها التزاما منه بالمواعيد وتقديرا منه للحاجة وسير العمل.
يبقى الدكتور محمد القري أنموذجا يحتذى في علميته وتواضعه ولغته وفصاحته، وقد يلاقي صاحبكم عتب الشيخ الدكتور لهذا الإطراء الذي يستحقه بلا ريب، بل إنني أشعر أنني لم أف الرجل حقه، ولم أستوف جوانب كثيرة من شخصيته وهي تهم الذين يعرفون أبا علي وتهم بشكل أكبر الذين يلتقونه أو يرونه دون أن يجالسوه أو يخالطوه.