عبدالعزيز بن محمد الفريان
«العقل السليم فى الجسم السليم».. بالرغم من أنها من أكثر المأثورات تواتراً، في أدبياتنا المنطوقة والمكتوبة، إلا أن ما بين القوسين في تقدير العديد خاطئة، وبالتالي لا ترقى إلى مقام الحكمة، ويدعم هؤلاء وجهة نظرهم بتعداد أعداد كبيرة من العلماء العالميين البارزين الذين ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بأبدان عليلة وعقول عبقرية نيرة، وذلك قد يبدو منطقياً، لكن حتى وإن كانت مأثورة «العقل السليم في الجسم السليم» موضع جدل فإنها ترمز لمعانٍ لا يمكن الخلاف حولها، فهي ترد دائماً لتأكيد أهمية النشاط البدني، وفوائده التي لا تعد ولا تحصى، على مستوى الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية.
ومن أبرز فوائد الرياضة أنها تسمو بالنفوس تربيها، ووفقاً للتوصيات الطبية فهي تساعد على تقوية عضلة القلب وتجعله مقاوماً للكثير من الأمراض الخطيرة كالسكتات القلبية، وتزيد من قدرة القلب على ضخ الدم وتنشيط وتحسين الدورة الدموية، والذي بدوره يساهم في تقوية جهاز المناعة.
وقد ذكر العديد من الأطباء أن ممارسة التمارين الرياضية تزيد من نسبة الكوليسترول الجيد في الدم، وتخفض الكولسترول الضار، أو ما يعرف بالدهون الثلاثية، والتي تعد من الحالات الطبية الشائعة وتسبب قائمة طويلة من الأمراض الخطيرة، مثل تصلب الشرايين وآلام الصدر والنوبات القلبية والسكتة الدماغية، كما أن الالتزام بالنشاط البدني اليومي يساعد في تحسين صحة الرئتين ويمكنها من العمل بكفاءة أكبر، في توفير الأكسجين اللازم للجسم وتخليصه من ثاني أكسيد الكربون، حيث تزيد سعتها التي قد تتأثر بفعل أمراض كالانسداد الرئوي والربو.
والتمارين الرياضية أيضاً لها فوائد لا تحصى على الجهاز الهضمي، الذي يعد الأكثر عرضة للأمراض، حيث تساعد في تخفيف معظم إشكالاته، إذ أنها تساهم في تحفيز الجهاز الهضمي وتحسين حركة الأمعاء وتسريع تدفق الدم مما يساهم في تسهيل حركة الطعام داخل الأمعاء، وهو الأمر الذي يمنع أيضاً اضطرابات هضمية كالإمساك والارتجاع، بالإضافة إلى أنها تنشط حركة الجهاز الهضمي، وتسرع من الهضم وبالتالي تقلل من الوقت الذي تمضيه المواد الضارة المسرطنة في المعدة والأمعاء وخفض مخاطر الإصابة بالأورام.
وكما هو معلوم فإن للرياضة دوراً هاماً في الوقاية أو التخلص من السمنة والمحافظة على الوزن المثالي، باستهلاك أو حرق السعرات الحرارية التي نحصل عليها من الوجبات الغذائية، والسمنة وكتلة الوزن الزائدة مشكلة طبية ذات مضاعفات خطيرة فهي تزيد من عوامل خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية أخرى مثل مرض القلب وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطانات.
وهكذا فإن ممارسة الرياضة تعود علينا بفوائد يصعب حصرها فهي تقينا من الكثير من الأسقام الأخرى كهشاشة العظام، والتهاب المفاصل، وتساعد في التخلص من السموم والفضلات التي يطلقها الجسم من خلال العرق، وهي كذلك وسيلة ناجعة لتقوية العضلات وبناء جسم متناسق جميل المظهر، تحول أيضاً بيننا والأمراض النفسية، لأنها مصدر مهم من مصادر المتعة والإثارة، ومن أفضل الأنشطة التي يمكن أن يشغل بها الإنسان أوقات الفراغ السلبي، وقهر الروتين الممل وتحسين المزاج، وكل ذلك يقلل من فرص الإصابة بمختلف الأمراض النفسية التي انتشرت في عصرنا هذا، بسبب نمط الحياة التي نعيشها، وتحمي الشباب من الانزلاق في مهاوي المخاطر المرتبطة بالعنف والجريمة وتعاطي المخدرات.
وبحكم طبيعة الأشياء فإن الرياضة وككل نشاط، يترتب عليها أحياناً بعض الأضرار، وترتبط غالبية تلك الأضرار بحالات الإفراط في التمارين الرياضية على وجه الخصوص، أو في حالة ممارستها أثناء الإصابة ببعض الأمراض التي قد يزيدها النشاط البدني غير المناسب، وينصح المختصون لتجنب بعض الأضرار الأخرى لها، بأداء حركات الإحماء قبل ممارسة أي تمرين رياضي، والالتزام بالتدرج فيها، وارتداء الملابس الرياضية الملائمة والحرص على شرب كمية كافية من الماء قبل وأثناء وبعد ممارسة النشاط الرياضي أياً كان نوعه، ذلك لأن الجفاف قد يسبب الكثير من المشكلات والاضطرابات الصحية خاصة على مستوى الجهاز الهضمي.
وخلال العقود الأخيرة ارتفع الوعي الصحي، وزاد الاهتمام المجتمعي بالرياضة، مع الطرق الإعلامي المتواصل، والاهتمام الكبير الذي توليه الدولة - أيدها الله - بنمط الحياة الصحي، وتضمينه في رؤية المملكة «2030»، التي شددت على ضرورة رفع معدل ممارسي الرياضة كسلوك راسخ في المجتمع بنسبة «40 %» خلال الـ»15» سنة القادمة، وإنفاذاً لما جاء في «الرؤية»، فإن هناك توسعاً في بناء المرافق والمنشآت الرياضية بالشراكة مع القطاع الخاص.
ختاماً من الضروري أن نجعل النشاط البدني جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لتحسين نوعية حياتنا، خاصة وأن الدولة هيأت لنا الأماكن المناسبة لممارسة مختلف أنواع الرياضات.
ختاماً فإننا نؤكد أن الصحة والرياضة وجهان لعملة واحدة، ولحسن الحظ فإن هناك ضروباً كثيرة من الرياضات، ويمكن لكل شخص أن يختار النوع الذي يناسب قدراته الجسمانية، ويتوافق مع عمره، متعنا الله وإياكم بالصحة والعافية، وملأ قلوبنا بالسعادة والطمأنينة والرضا.
** **
- المدير التنفيذي للشؤون الإعلامية بمجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية