سلمان بن محمد العُمري
مما ينسب عن سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هذه المقولة حينما رأى جابر بن عبد الله يحمل لحماً في يده وقال: ما هذا يا جابر، فقال له: اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال عمر: أوكلما اشتهيت اشتريت يا جابر.. وكم نحن بحاجة إلى تعليم هذه الكلمات النيرات في كل منزل، بل في كل غرفة؛ فكم اشترينا ما لا نحتاجه، وكم في منازلنا من الأثاث والملابس والكماليات التي لا نستخدمها لوجود أصناف مماثلة لها، ونحن لسنا بحاجة لها، بل وكم من المواد الغذائية التي انتهت صلاحيتها ولم نستخدمها، وللأسف أصبح مصيرها في مرمى النفايات.
ومن الأسابيع الماضية وكما جرت العادة مع نهاية العام الميلادي فقد استغلت المتاجر والمحلات هوس الناس بالتخفيضات فسمعنا بالأيام السوداء والبيضاء وغيرها من الألوان، وهي من العادات التي أخذناها من الغرب وهي عادة غير حميدة، وسلوك استهلاكي جذاب لكنه يستنزف أموالنا من حيث شعرنا أو لا نشعر، ولقد فطن بعض عقلاء الغرب لهذه المصيدة وحذروا منها، ففي ألمانيا على سبيل المثال هناك مثل يقول: إذا اشتريت ما لا تحتاج فإنك تسرق نفسك، وهو مثل يحمل كثيراً من الحكمة، ولدينا ما هو خير منه بكل تأكيد وهو قول الله تعالى: «ولاتسرفوا إنه لا يحب المسرفين».
والتنافس على كسب المستهلك لم يقف عند حدود الإعلانات والمغريات لدى أصحاب المحلات بل أصبح المستهلك يتسوق وهو مستلقٍ على سريره، أو متكئٍ على أريكته عبر المنافذ والمنصات الإلكترونية من أسواق الشرق والغرب فضلاً عن المحلات المحلية والإقليمية وتصل له البضاعة مع تسهيلات في الدفع عند الاستلام وغير ذلك من بيع بالأقساط والمرونة في الاسترجاع والاستبدال وحوافز النقاط وكسب الولاء وكل ما من شأنه تحفيز المستهلك ليبقى معهم.
وهوس الشراء الإلكتروني ضاعف من مبيعات شركات ومؤسسات وأفراد، وفي نفس الوقت ورط كثيراً من المستهلكين في شراء ما يحتاجونه وما لا يحتاجون وهنا تكمن المشكلة.
إن كل إنسان، وكل رب أسرة يحتاج إلى إرادة قوية لضبط مصاريفه ونفقاته وأن تكون وفق الحاجة ووفق الأولويات وألا ينجرف هو وأسرته مع المغريات لئلا يفاجأ في يوم ما بعدم قدرته على شراء الاحتياجات الأساسية لنفوق ماله، أو أن يضطر للديون والقروض فيصبح حاله ومداخيله هباءً منثورًا أو مجبر إجبارًا لسداد هذه القروض.
وأتذكر أن أحد سكان بلدة صغيرة في نجد ذهب إلى السوق ووجد البضاعة مرتفعة السعر فأحجم عن شرائها فقال له البائع: (خذها ونصبر عليك) أي سيبيعها إياه بالدين، ومعلوم أن السعر سيصبح مرتفعاً عن السعر الأساسي؛ فما كان من المشتري إلا أن قال:(أنا أصبر على روحي)، ورفض عرض البائع، وكم نحن بحاجة إلى مثل إرادة هذا الرجل الذي رفض المغريات خشية الضرر بنفسه لاحقاً.
وكم نحن بحاجة إلى وقفات كثيرة مع ما يجول في خواطرنا من رغبة التملك لكل شيء نحن والاستحواذ والشره الاستهلاكي وضبط النفس والإحجام عن كل مغريات تسويقية وإلى الإرادة القوية في كبح جماح النفس وشهواتها ورغباتها، وهذا مطلب ديني واقتصادي وفيه صون للنعمة وحفظها، وحفظ كرامة الإنسان عن السؤال والتعفف مستقبلًا.