د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
منذ الثورة الخمينية عام 1979 اتبعت إيران إستراتيجية منسقة لاختراق مجتمعات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من خلال إنشاء شبكات سرية تعمل تحت غطاء التبادل الثقافي والتجاري وذلك لتصدير أيديولوجيتها الثورية هناك، فقامت بنشر المساجد والمراكز الثقافية والعيادات الصحية والمرافق التعليمية في منطقة الحدود الثلاثية TBA بين دول بيرو وشيلي وبوليفيا، كقاعدة ظاهرها عملٌ ثقافيٌّ وتجاريٌّ وباطنها عمل سريٌّ يرسخ لبنية تحتية لشبكاتها السرية المتنوعة في تلك المنطقة.
لقد سعت إيران منذ تواجدها في دول أمريكا اللاتينية لتنسيق ما يسمى بالتبادلات الثقافية، والتي غالبًا ما يتم إطلاقها من سفاراتها هناك بحيث يتم تحويل التبادلات الثقافية إلى تعاون سياسي واقتصادي، وهو ما وفر الغطاء الضروري لإدخال المزيد من النشطاء، وإنشاء شركات واجهة، وإنشاء قنوات خلفية مع الحكومة المضيفة، وفي نهاية المطاف توفير مساحات لضباطها العسكريين وشبه العسكريين لدخول المنطقة لدعم المصالح الإستراتيجية الإيرانية والتي يتمثل هدفها الحقيقي في إرساء الأسس للعملاء الإيرانيين للانخراط في المجتمعات المحلية وإدارة شبكات التجسس والإرهاب.
استفادت إيران من السماح لها بتوزيع الخدمات الاجتماعية بشكل فعال، لبناء شبكات المحسوبية الموالية للنظام وكسب التعاطف مع متلقِّي مساعداتها، كما استغلت وجود مناطق التجارة الحرة الخارجة عن القانون هناك لتقوم المنظمات الإرهابية المدعومة منها بعمليات غسل الأموال وتهريب المخدرات وأنشطة تشغيلية ومالية إرهابية أخرى.
ليس ذلك فحسب، فمن خلال وسائل القوة الناعمة وفي مجال التوسع الأيديولوجي أنشأت إيران كذلك شبكة عالمية من المنظمات الدينية والثقافية، بما في ذلك الجامعات والجمعيات الخيرية ووسائل الإعلام والمنظمات المدنية الموجهة نحو نشر أيديولوجية الخميني، وذلك لترسيخ أتباع مخلصين لرؤية النظام الدينية والسياسة الخارجية في مجموعة متنوعة من المجتمعات، مما أدى بدوره إلى توليد التمويل لشبكات من المجندين السريين الذين يدعمون مساعيها العسكرية.
تلعب جامعة المصطفى الدولية التابعة للمرشد الحالي لإيران والتي مقرها الرئيسي في مدينة قم ومن خلال فروعها المنتشرة في أكثر من 50 دولة دورًا واسعًا في نشر الفكر الخميني حيث تشير التقديرات إلى أنه يلتحق بها في الوقت الحالي ما لا يقل عن 40 ألف طالب أجنبي، يدرس معظمهم في حرم جامعي داخل إيران بحيث يقوم النظام الإيراني باختيار العديد منهم لإنشاء مراكز دينية وثقافية في بلدانهم الأصلية، بهدف تجنيد الطلاب للعمل في شبكاتهم السرية وغرس الولاء للثورة بين السكان المحليين.
لقد استغلت إيران المشاركات الثقافية والدبلوماسية والاقتصادية المتزايدة في أمريكا اللاتينية كغطاء لإرساء الأُسس لشبكات سرية من العملاء للمخابرات الإيرانية، والحرس الثوري، وفيلق القدس، حيث تميل سفاراتها في أمريكا اللاتينية إلى أن تكون مأهولة بأعداد أكثر من اللازم من الموظفين، لا لشيء آخر إلا كون جل عملها يتركز على الأنشطة الاستخبارية والتخريبية كأعمال الاستهداف والتجنيد وإدارة الشبكات السرية المتنوعة من المجتمعات المحلية.