خديجة أحمد الجودر
تشكّل السياسة علماً قائماً بحد ذاته ويصعب تحديد وصف دقيق يفسر ماهية تكوينها أو صياغة مفهومها وذلك لتعدد مجالاتها وتشعب خصائصها، بيد أن المتعارف عليه بأنها فن الممكن في قيادة وإدارة شؤون الرعية بما يصلحها وفق المعيار الذي تمتلكه الدولة من موازين القوى والسلطة لفرض سيطرتها وإنفاذ قوانينها، فالقوة جوهر السياسة وأداتها لبلوغ أهدافها، ويشكّل البعد السياسي في الفقه الإسلامي عاملاً أساسياً كإطار جامع تندرج تحت مظلته أحكام الشرع يعرف باسم السياسة الشرعية كونه يعتمد على مدلولات النص القرآني كبنية للتشريع ويستند على هدي السنة كقاعدة لاستنباط الأحكام.
ولكي نفهم حركة التطور التاريخي لعلاقة الدين بالدولة من المنظور الإسلامي ولا بد أن نلقي نظرة على طابع الحياة في الجزيرة العربية تحديداً مراحل نشأة الدولة في المدينة وتوسع رقعتها، فقد كان مجتمعاً يعشق الحرية بلا ضوابط ويأبى ثقافة الخضوع والالتزام بالقوانين فاحتاج إنسان عصر الرسالة إلى منهج يحد من انفلاته ويقوّم حياته وينظّمها لذلك شكلت الرسالة المحمدية ثورة في عقل المسلم كونه يحوي منظومة متكاملة تختزل خلاصة الأديان ويحمل نظرة شاملة تستفرد بلب الرسالات لأنها تقدم مدرسة في السلوك الأخلاقي وأنموذجاً راقياً في البناء الحضاري ولا ريب أن الطليعة الأولى التي استلمت زمام الحكم بعد وفاة النبي قد فهمت الركيزة الأساسية للسلطة فكان البر والعدل هما أساس القيم السياسية وعلى مسطرتها تُقاس كل المعايير ومنها تنبثق بقية القوانين فنقل الدين من إطار العبادات والمناسك إلى آفاق أرحب وأوسع فكراً ونشاطاً وحركة وحقق نظرية الإسلام كمشروع قائم على الأبدية يستند على الإعمار والاستخلاف في الأرض وفي الإنسان وكان لا بد لمرجع يعالج قضايا البشر ويرسم علاقتها فأنزل القرآن ليكون لهم زاداً وافراً يدعوهم إلى التدبر والتعقل والهداية كما منحهم فسحة في فضاء الاجتهادات حسب متطلبات الحياة وتغييرات الزمن على أن يكون شعارهم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
الخلاصة
لماذا خلقنا الله وإلى أين نمضي بعد أن نفنى؟ سؤال أزلي بدأ مع رحلة البشر في ملحمة الحياة والإنسان بفطرته وغريزته مجبول على حب البقاء ووحده فقط من اتسم عقله بموازين الحكمة واليقين يعلم أنها ليست سوى دار عبور إلى دار الخلود ولكن أمامه مهمة شاقة وفي انتظاره رهانات كبرى وتحديات أكبر فهو مكلّف ومسؤول لأنه قبل بحمل الأمانة التي ستضعه بين الاختبار والاختيار بالابتلاء تارة وبجزيل العطاء تارة أخرى وكلاهما خاضعان لقوانين الأرض في الحساب وقواعد العقاب والثواب ونجاتنا مرهونة بالإيمان والعمل الصالح وبذلك نحقق غاية الدين في إطلاق ممكنات الإنسان وإحياء الخالق في وجدان المخلوق فتصفو النفس التي تتوق للكمال وتنقى الروح التي تنزع للسمو.