«الجزيرة» - الاقتصاد:
تشهد السعودية في الوقت الراهن تحولًا على كافة الجوانب، تماشياً مع الحراك الكبير الذي يفرض مساره للانتقال من الاعتماد على صناعة النفط والمنتجات البترولية.
واستناداً إلى اقتصادها القوي وناتجها الإجمالي المحلي الذي يعد الأسرع نمواً من بين الاقتصادات الكبرى في عام 2022، تواصل السعودية اعتمادها على بنيتها التحتية لنقل المنتجات بسلاسة داخل البلاد وعلى المستوى الإقليمي وإلى الأسواق الخارجية.
ففي أكتوبر 2022، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رسمياً إطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري). وتعزيزاً لمكانة السعودية كموقعٍ مفضل للشركات الصناعية متعددة الجنسيات الرائدة عالمياً، تهدف المبادرة إلى تجاوز التحديات التي تواجهها سلاسل الإمداد العالمية، ودعم نمو قطاعات رئيسة عدة وجذب استثمارات تبلغ قيمتها 40 مليار ريال سعودي في السنتين الأوليين من إطلاقها. تعتبر هذه المبادرة واحدة من مبادرات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تم إطلاقها في أكتوبر 2021، لتمكين السعودية من تحقيق طموحات وتطلعات رؤيتها، لتصبح ضمن أكبر 15 اقتصادًا عالميًا بحلول عام 2030. وتهدف المبادرة إلى ترسيخ مكانة أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي كقوة استثمارية عالمية من خلال إنشاء عدد من المناطق الاقتصادية الخاصة في المستقبل القريب، وتقديم الدعم المالي وغير المالي للمستثمرين العالميين المهتمين بإضافة المملكة إلى سلاسل التوريد الخاصة بهم.من هنا نسلط الضوء على ميناء الملك عبدالله، باعتباره أول ميناء في الشرق الأوسط يمتلكه ويطوره ويديره القطاع الخاص بالكامل، حيث يقوم مؤخراً بترسيخ دوره كحلقة وصل رئيسية في سلسلة التوريد المحلية، مستفيداً بفاعلية من ارتباطه المباشر بشبكة نقل عالمية متنوعة وواسعة.
يشغل ميناء الملك عبدالله مساحة 17.4 كم2 في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، على مقربة من المدن التجارية الرئيسية مثل جدة والعاصمة المقدسة والمدينة المنورة وينبع، وقد تمّ تجهيزه بمرافق متطورة وأرصفة بعمق 18 متراً، ما يجعلها أعمق أرصفة العالم، وهيكلٍ تشغيلي فعّال يتيح للميناء الإسهام في تعزيز دور السعودية العالمي في التجارة البحرية والخدمات اللوجستية.
ومن خلال موقعه الاستراتيجي المتميز على ساحل البحر الأحمر، والذي تمر عبره 13 في المائة من إجمالي التجارة العالمية، ويربط بين قارات ثلاث - آسيا، وأوروبا وإفريقيا، يمكن لميناء الملك عبدالله أن يلعب دوراً رئيساً في تحقيق أهداف المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية.
ومع مشاركته في مؤتمر سلاسل الإمداد 2022 كشريكٍ استراتيجي، يواصل ميناء الملك عبدالله، الحاصل على عدة جوائز مرموقة في الفترة الأخيرة، ريادته في بناء شبكة مرنة لسلسلة إمداد على مستوى السعودية.
بالعودة إلى مبادرة جسري، فقد تم بناؤها على أربعة محاور استثمارية رئيسية، وقدمت العديد من الحوافز المتخصصة للمستثمرين، كما منحت الأولوية بشكلٍ استراتيجي لـ 12 قطاعاً رئيساً في السعودية ذات ميزة تنافسية. وكميناء بحري حيوي نشط ونقطة اتصال للخدمات اللوجستية الداخلية، يستضيف ميناء الملك عبدالله بالفعل العديد من المرافق الحكومية وقواعد العمليات للشركات الخاصة الرائدة، كما أقام شراكة مع أكبر شركات الشحن، من بينها شركتان من الأكبر في العالم هما ميرسك وMSC.
من جهة أخرى، يعد قطاع البتروكيماويات، وهو من القطاعات التي ركّزت عليها مبادرة جسري، أحد القطاعات المستهدفة في ميناء الملك عبدالله حالياً. وقد أدت الوفرة في المواد الخام بالسعودية إلى خلق بيئة مناسبة للمستثمرين الصناعيين في الصناعات الوسطى وصناعات المصب، بالنظر إلى أن السعودية تحتل حاليًا المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج المواد الكيميائية. (سجلت المملكة 10 في المائة من الناتج العالمي والإنتاج في عام 2021). وفي هذا السياق، وقع ميناء الملك عبدالله اتفاقية مع شركة ميرسك لإنشاء مركز ميرسك للخدمات اللوجستية المتكاملة، وهو أول مركز للشركة متخصص بالبتروكيماويات في السعودية. يوفر المركز خدمات لوجستية شاملة، ويطرح مجموعة متنوعة من الفوائد لصالح مُصدّري البتروكيماويات المحليين، مقدماً نفسه مثابة الحل المركزي لسلسلة التوريد، وبشكلٍ أساسي لمُصدّري البتروكيماويات السعوديين.
ومن خلال شراكة مع ميرسك، قررت شركة سبكيم أيضاً العمل داخل المنطقة اللوجستية المتكاملة لميناء الملك عبدالله، مما يساعد الشركة على تعزيز عمليات التصدير والتخزين.
وتمثل الاتفاقية بين سبكيم والميناء خطوة مستقبلية لمساعدة سبكيم على تصدير منتجاتها البتروكيماوية إلى الأسواق العالمية، والاستفادة من نقاط القوة لدى الشركاء الاستراتيجيين للميناء.
تعد الصناعات الغذائية وصناعة الأدوية من القطاعات الرئيسية ذات الأولوية في مبادرة جسري.
في موازاة ذلك، أعطى ميناء الملك عبدالله الأولوية لهذين القطاعين، حيث يعمل باستمرار على توسيع نطاقه التشغيلي لتلبية متطلبات الشركات الصناعية. وقد تمّ تركيب رفوف تبريد كبيرة، إلى جانب مرافق تخزين يمكن التحكم في درجة حرارتها، ولا يزال المستوردون يستفيدون من خدمات التخليص الجمركي التي تتميز بسلاستها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. من ناحية أخرى، توفر منطقة الإيداع وإعادة التصدير في ميناء الملك عبدالله مجموعة متنوعة من خدمات سلسلة التوريد والحوافز لجذب المشغلين الباحثين عن التخزين المعفى من الرسوم الجمركية للسلع والعمليات بما في ذلك تجميع البضائع.
أما الهيئة العامة للغذاء والدواء، فقد أنشأت مرافق مخصصة في الميناء، إلى جانب أكثر من 17 جهة حكومية أخرى، مما يدل على قدرة الميناء ورغبته في تلبية متطلبات قطاعي الأغذية والأدوية بطريقة فعالة.
ومن القطاعات الأخرى التي تم تسليط الضوء عليها ضمن مبادرة جسري، قطاع صناعة السيارات، والذي لحظه ميناء الملك عبدالله أيضاً من خلال مشاريعه وتطويره، إذ يمضي الميناء قدمًا في تنفيذ مشاريع الدحرجة، والتي تشمل بناء خمسة أرصفة دحرجة.
وبمجرد تشغيلها بالكامل، ستوفر هذه الأرصفة سعة إجمالية تصل إلى 1.5 مليون سيارة، مما يجعل ميناء الملك عبدالله الرائد الإقليمي في مجال الشحن بالدحرجة.
وفقاً للمخطط الرئيس، سيتمكن ميناء الملك عبدالله عند اكتماله من مناولة 25 مليون حاوية قياسية، إلى جانب 25 مليون طن من البضائع السائبة وكذلك 1.5 مليون سيارة سنوياً، علماً بأنه قد بدأ تشغيل خدمة الدحرجة لتصدير شاحنات إلى أستراليا.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت شركة لوسيد للسيارات، وهي شركة أمريكية لتصنيع المركبات الكهربائية، في إنشاء مصنع داخل الوادي الصناعي في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والذي سيكون قادرًا عند وصوله إلى طاقته القصوى، على إنتاج ما يصل إلى 155.000 مركبة سنويًا. وتطمح السعودية لإنتاج وتصدير 150 ألف مركبة كهربائية سنوياً بحلول عام 2026، ولذلك فإن ميناء الملك عبدالله لديه فرصة كبيرة للعب دورٍ رئيس في مجال الخدمات اللوجستية للسيارات بالمملكة.
بنظرة متفائلة نحو المستقبل، يواصل ميناء الملك عبدالله الاستفادة من مرافقه وخدماته لجذب المشاريع اللوجستية المبتكرة والعملاء في مجموعة متنوعة من الصناعات. مع استمرار جسري في تعزيز سلسلة التوريد المحلية وخلق بيئة مربحة للمشغلين في السعودية، يؤكد ميناء الملك عبدالله مرة تلو الأخرى التزامه بدعم مكانة المملكة باعتبارها قوة صناعية ومركز لوجستي عالمي.