د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
العلاقات العمانية - السعودية تدخل منعطفا مهما وحيويا من خلال زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق إلى نيوم في 11 يوليو 2021، وهي الزيارة الأولى منذ تقلد السلطة في 11 يناير 2020، ثم أتت زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء إلى سلطانة عمان في 6 ديسمبر 2021، وما أسفر عن هذه الزيارة من تواصل التنسيق السياسي والتكامل الاقتصادي من خلال توقيع عدد من مذكرات التفاهم في عدد من القطاعات الاقتصادية وفي مجال الطاقة والإعلام والأمن الغذائي.
كما للسعودية من أهمية استراتيجية وعمق استراتيجي بالنسبة لعمان خصوصا وأن موقعها على بحار مفتوحة يعطي ميزة تنافسية على الجانب الاقتصادي واللوجستي، كذلك تمثل عمان بالنسبة للسعودية في أهمية موقع عمان الاستراتيجي على المحيط الهندي وبحر العرب، كذلك على الصعيد السياسي، فإن السعودية وعمان على وفاق في مجمل الملفات، ويبذلان جهودا مشتركة خاصة على صعيد الأزمة اليمنية بضرورة إنهاء الحرب.
الزيارتان بين الدولتين الشقيقين دشنت مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي التي تدور ضمن تحرك سعودي فيما يخص تقوية أواصر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وسيكون للمنفذ البري المباشر بين الأراضي السعودية والعمانية تأثير إيجابي على جميع الصعد التجارية والسياحية، وسيتحول هذا الطريق إلى شريان اقتصادي مهم ليس فقط للدولتين بل لدول المجلس كافة، من أجل أن يشهد تطورا كبيرا، وبشكل خاص فيما يتعلق بعودة اللحمة الخليجية من أجل مرحلة تحقيق الأمن الجماعي، والتنسيق حول التحديات التي تواجه أمن واستقرار دول الخليج.
تعد دول المجلس أهم تجمع سياسي عربي وإقليمي، وكل التحديات تحتاج إلى رؤية مشتركة، وعلى رأسها تحقيق تكامل اقتصادي واجتماعي بين دول المجلس في ظل مقدرات كبيرة تتمتع بها.
تتربع السعودية إلى جانب الولايات المتحدة كأكبر مصنعي البتروكيماويات في العالم، من خلال 14 شركة سعودية تنتج متوسط 95 مليون طن متري من البتروكيماويات تشكل نسبتها 9 في المائة من الإنتاج العالمي حتى عام 2020، وتتحول السعودية إلى أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم، مع إضافة شراكاتها عبر الحدود في شرق الأرض وغربها، من ماليزيا إلى الولايات المتحدة، وقد حققت دول المجلس في قطاع الكيماويات 84.1 مليار دولار في 2018، فيما بلغت إنتاجية القطاع نحو 174.8 مليون طن لترتفع مساهمة القطاع بالناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 2.8 في المائة، وارتفعت عائدات القطاع 77.2 في المائة في عام 2021 وهو أعلى مستوى تسجيله منذ عام 2013 التي ارتفعت من 54.1 مليار دولار في 2020 إلى 95.9 مليار دولار في 2021.
قبل نهاية عام 2022 في 28 ديسمبر أعلنت سلطنة عمان عن قيام تحالف سعودي - عماني كويتي مشترك لتطوير مجمع بتروكيماويات مملوك مشترك في المنطقة الاقتصادية بالدقم جنوب سلطنة عمان من شأنه أن يلبي حاجة الأسواق المتنامية للبتروكيماويات، من وحدة تكسير بالبخار ووحدات للمشتقات ومحطة لاستخراج سوائل الغاز الطبيعي في سيح نهيدة، حيث يتمتع المجمع بسمات فريدة تجعله منافسا عالميا ومربحا لكل الشركاء، حيث تمتلك شركة سابك نسبة 40 في المائة بينما تتقاسم الشركتان العمانية والكويتية الحصة الباقية بمقدار 30 في المائة لكل منهما.
يستهدف المجمع الأسواق النامية القريبة من سلطنة عمان، أبرز الصادرات إلى تلك الدول في مجال الطاقة، والتقنيات النظيفة، والتنقل، والبناء، والسلع، والرعاية الصحية والتعبئة والتغليف.
يمثل هذا الاتفاق بتطوير مجمع بتروكيماويات في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم تجسيدا لاهتمام قيادات الدول الثلاث على أعلى المستويات في التكامل الاقتصادي، وتمثل أيضا نموذجا حيا لنجاح الدبلوماسية الاقتصادية العمانية في تحقيق مستهدفات رؤية عمان 2040 والتي تلتقي مع رؤية السعودية 2030 لتنويع الاقتصادين، وتلتقي كذلك مع استراتيجية مؤسسة البترول الكويتية لعام 2040 والمتمثلة في صناعة البتروكيماويات ودعم التكامل بين قطاعي التكرير والبتروكيماويات، وسعي سلطنة عمان الحثيث إلى استثمار ما تذخر به سلطنة عمان من مقومات حيوية وثروات طبيعية في جلب الاستثمارات الخارجية، خصوصا أن للمشروع جدوى اقتصادية وصناعية كبيرة بسبب أن الدول الثلاث منتجة للنفط ومصدرة له، وسيفتح المشروع باب الاستفادة من منفذ جديد لدول مجلس التعاون الخليجي المتمثل في موقع الدقم المتميز والقريب من الأسواق العالمية.
يحقق هذا التكامل وهذه الشراكات الرامية إلى تطوير وتعزيز أعمال الصناعات التحويلية ودعم القطاع الخاص ومواجهة تحديات صناعة البتروكيماويات التي من أبرزها تحقيق الحياد الكربوني في 2050 من خلال تقليل البصمة الكربونية ودمج جوانب الاقتصاد الدائري والالتزام بالمعايير البيئية العالية، وتوفير منتجات متنوعة ومستدامة.
***
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا