عبده الأسمري
ما بين مسارب «الخرائط» ومشارب «المعاجم» ووسط ألغاز «التضاريس» واعتزاز «التأسيس» كتب للجغرافيا «فجر» جديد وجنى للنفس «أجر» مديد رافعاً راية «الإحصاء» ومحققاً غاية «الاستيفاء» في علوم ومعالم ومعارف ومشارف كان فيها «عقل» البدايات و»بطل» النهايات.
ولاّ «قبلة» أحلامه شطر «التفرد» فحصد «الانفراد» من «التأليف» الباكر و»التكيف» المبكر حتى كتب الجمل الأسمية من مبتدأ «الجدارة» وخبر «المهارة».
أعطى للأماكن هوية «الأسماء» ومنح للمواقع «هيئة» الانتماء بوقع «التوثيق» وواقع «التخصيص» ليكون «مرصداً» بشرياً للحقائق.. رصد «معاني» التعريف وحصد «مغانم» المعرفة..
إنه عالم الجغرافيا وعضو الشورى السابق الأستاذ الدكتور أسعد بن سليمان عبده.. أحد أبرز العلماء والفضلاء والأكاديميين والمؤلفين والباحثين في الوطن والعالم العربي.
بوجه هادئ يسكنه «الوقار» ويملؤه «الاستقرار» وتقاسيم تحفها «السكينة» تتكامل مع والده وتتماثل مع أسرته وعينان تنطلق منهما «نظرات» الذكاء و»لمحات» السخاء وشخصية مهذبة مؤدبة أصيلة الطباع نبيلة الطبع تكسوها «الإنسانية» وتؤطرها «المهنية» حافلة بطيب المعشر ولطف التعامل ولين الجانب وكاريزما تسمو فيها روح «التأثير» ويعلو وسطها «بوح» التقدير» وأناقة تعتمر «البياض» تتكامل على محيا عامر بالتواضع وغامر بالتواد وصوت خليط بين لهجة بيضاء في المجالس العامة ولغة عصماء أمام المنصات الخاصة وقول مفعم بفصل «الخطاب» وأصل «الجواب» وعبارات علمية عميقة تكاد ترى بالبصر قضى الدكتور أسعد من عمره «عقود» وهو يفرش دروب «الإنجاز» بالوعود «المكللة» بالابتكار ويملأ «مقامات» الاعتزاز بالعهود «المجللة» بالاقتدار ويؤصل «أسس» المعلومات الجغرافية ويؤسس «أصول» المهمات الاحترافية أكاديمياً وقيادياً وشورياً وخبيراً ترك بصماته «وشماً» على «خارطة» المآثر في ميادين «العلم» ومضامين «العمل»..
في المدينة المنورة «جوهرة» المدن و»درة» الأقاليم ولد في «حوش أبو جنب» عام 1361 ونشأ بين أب «عطوف» و»أم» مثالية وتشربت نفسه «عطر» الروحانية و»مسك» السكينة وتعتقت روحه بطهر «المكان» وعبق «الزمان» وظل يطرب اذانه بنداءات «التقى» في ساحات المسجد النبوي ويبهج وجدانه بابتهالات «اليقين» في جنبات الروضة الشريفة.
ركض أسعد طفلاً مع أقرانه بين أحياء قباء وأحد وسيد الشهداء مردداً الأناشيد «المدينية» ومتردداً على المجالس «اليثربية» وظل يقتنص «الضياء» من مكبرات «الجوامع» وينتظر «الإمضاء» من تكبيرات «الجموع» فتسربت إلى أعماقه «تربية» دينية قوامها «الأخلاق» ومقامها «الوفاق» فامتلأت سريرته بالتوليفة الأولى لمنهج الحياة المشكلة من «صفاء الداخل» و»نقاء التعامل» وتسربت إلى داخله «موجبات» العفوية و»عزائم» الهوية .فظل يقرأ في الكتب باكراً ويتردد على «جلسات» الحكماء في مجلس والده مقتنصاً من «الأحاديث» عطايا «الحكمة» ومنتهلاً من «الأحداث» هدايا التجربة.
كان أسعد طفلاً ينتظر والده الذي كان معلماً للتطريز كل مساء لينشده عن «خفايا» الحرفة ويفضي إليه بتساؤلات «الصغار» عن تعلمها وكان يرافق والده ويراقب ابداعاته حتى أتقنها وظل يمكث قرب أبيه في دكانه الصغير الذي افتتحه لاحقاً في شارع العيينة مرتقباً «البساطة» في وجوه السائرين ومراقباً «القناعة» في أحاديث «المتسوقين» فتكاملت في ذهنه «اتجاهات» الحرص و»أبعاد» الإخلاص.
التحق أسعد بالدراسة في المدرسة المنصورية بالمدينة المنورة وتعلم مهنة التطريز - بعد التخرج من المدرسة الابتدائية - وعمل في هذه المهنة من المنزل بأجر وعمل بعد إنهاء مرحلة الدراسة المتوسطة مدرساً في وزارة المعارف (في مدرسة ابتدائية رسمية)، مع مواصلة الدراسة في المرحلة الثانوية. وتخرج من المعهد العلمي وكان «الأول» على مستوى السعودية في المعاهد العلمية وسافر إلى الرياض والتحق بكلية الآداب بجامعة الملك سعود واغترب هنالك وتعلم «الاعتماد» على الذات و»الاستناد» على القدرات حيث أقام في سكن الجامعة بالملز وانتقل إلى شارع البطحاء الشهير وترافق مع 3 من زملائه في شقة في حي الصفاة مطلة على «ميدان» العدل.. وكان يعمل في كل الإجازات منذ بداياته الدراسية.
أنهي دراسته الجامعية بتفوق وكان الأول في كل سنواتها وحصل على ليسانس، قسم الجغرافيا، عام 1384هـ وتعين معيداً في العام نفسه وابتعث ونال درجة دكتوراه الفلسفة، قسم الجغرافيا من جامعة درم بإنجلترا عام 1389هـ في أقصر مدة ابتعاث لدراسة الماجستير والدكتوراه بين جميع مبتعثي كلية الآداب بجامعة الملك سعود منذ ذلك الوقت وحتى الآن وكان أول السعوديين الحاصلين على الدكتوراه في الجغرافيا. عمل مدرساً ثم أستاذاً مساعداً ثم مشاركاً فأستاذاً حاصل على «الأستاذية» وجميعها في جامعة الملك سعود وترأس قسم الجغرافيا بالجامعة لفترات مختلفة وترأس قسم الإعلام كذلك لعامين من عام 1394- 1396 وعمل كرئيس لجنة مرصد الزلازل الجيوفيزيائي (1405-1410هـ) وشغل منصب عضو مجلس الإدارة، هيئة الاتصالات و تقنية المعلومات، منذ 1429هـ واختير عضوا في مجلس الشورى في ثلاث دورات من عام 1418- 1430هـ وتعين أميناً عاماً لجامعة الملك سعود لمدة ثلاث سنوات من عام 1398- 1401هـ ورئيساً لنادي أعضاء هيئة التدريس والموظفين بجامعة الملك سعود لمدة عشر سنوات.
وتم اختياره عضواً بمجلس إدارة معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية (1408- 1414هـ). وشغل رئاسة وعضوية عدد من المجالس والمؤتمرات واللجان في الداخل وفي منظمة الأمم المتحدة.
ساهم في إنشاء مرصد الزلازل الجيوفيزيائي وصحيفة رسالة الجامعة والجمعية الجغرافية السعودية ورياض الجامعة ونادي أعضاء هيئة التدريس والموظفين بجامعة الملك سعود والتي باتت بعد ذلك من معالم الجامعة البارزة.
له عشرات البحوث والدراسات العلمية والتخصصية المنشورة وألف عددا من الكتب المتخصصة وشارك مع آخرين في إنتاج أطلس السكان للمملكة العربية السعودية على مدار سنوات وقام بتأليف كتاب جغرافية البلاد العربية والذي كان مقرر السنة السادسة الابتدائية في مدارس البنات في المملكة وكان حينها (طالباً في الجامعة) وفاز الكتاب في مسابقة الرئاسة العامة لمدارس البنات، وطبع على نفقتها عام 1383هـ، وظل الكتاب مقرراً على الصف السادس ابتدائي بمدارس البنات في المملكة سنوات عديدة. وألف كتب الجغرافيا للمرحلة الثانوية الصادرة من وزارة المعارف عام 1395هـ.
وله عدد من الدراسات غير المنشورة في الإدارة الجامعية، وأشرف وناقش المئات من رسائل الدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه وتحكيم علمي لدرجات أكاديمية عليا، وشارك في عدد من المؤتمرات والوفود في منظمة الأمم المتحدة وعضوية ورئاسة عدد من المجالس واللجان في الجامعة وغيرها. وله عشرات الأنشطة الثقافية من مقالات ومحاضرات عامة، وإعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية، وندوات ثقافية وحصل على جائزة مكتب التربية لدول الخليج العربية في العلوم الاجتماعية لعامي 1406، 1407هـ.
أسعد عبده العالم الجغرافي والمقام المعرفي الذي سكب «المداد» فخراً وسبك «السداد» ذخراً وكسب «الوداد» عمراً في شؤون «المعارف» ومتون «المشارف».