د.سماح ضاوي العصيمي
انتشرت في الآونة الأخيرة حسابات افتراضية تحمل أسماءً جاذبة في تنمية الشخصية الحوارية وبنائها بناءً عصريًّا وفق ما تتطلبه المرحلة، تدعو هذه الحسابات لبرامج أكاديمية وموجهة بتركيز إلى الجيل السعودي اليافع خاصة في ميدان افتراضي صِرف وعبر تجمعات افتراضية مخصصة للمسجلين فيها، يتم عبرها إعطاء المقررات وأسس المنهج المُتبع تحمل أسماءً ظاهرها حماية العقيدة وبراعة كشف عوار الآخر وخلله، ويتم الإعلان عن هذه البرامج بشكل احترافي في حسابات أكاديمية مخصصة لها.
وهذه البرامج يقوم بالإشراف عليها ومتابعتها والتسويق لها من يحمل النفس المتطرف، إضافة إلى احتوائها على إحالات مكثفة ممن صُنِّفَ إرهابيًّا ومنهم مطلوب أمنيًّا في دولته، بل منهم من يكفر حكام العرب جميعًا ويدعو إلى إهلاك الحرث والنسل لتحقيق أهداف تطرفية حزبية، ويتم تذييل هذه البرامج بشهادة تخرج أكاديمية تحمل توقيع أحد المتطرفين المشهورين بتطرفهم وحزبيته المصنفة إرهابيًّا في المملكة العربية السعودية.
ومن المعلوم أن انتشار هذه الأكاديميات المكثف قد تبعته إعلانات عبر تجمعات الواتساب تارة عبر ندوات مقننة، وتارة عبر برامج قصيرة المدى، وآخرها الإعلان الرسمي في إعداد (علماء ربانيون) للإفتاء الشرعي الـ(العابر للحدود) ويتم تبني هؤلاء اليوافع كشرط أساسي من عمر السبع سنوات وتستمر ملازمتهم بالمنهج حتى سن العشرين.
فهذه الأكاديميات الافتراضية أشبه ما تكون (هندسة فكرية) تعددت مسمياتها، إلا أن المنهج واحد والمشرف واحد والموّقع على وثائق التخرج والإتمام واحد، فلا ريب أن التخطيط لها كموجة أخرى في محاولة تأصيل شعار تقديس الفكرة ورفعها فوق راية الأوطان وعدم الانتماء لأي أرض أي (الانتماء للفكرة لا لحفنة من التراب) لسرقة لباب النشء واختزال تبعيتهم المطلقة لشخصيات (مفكرة) وخادمة لأهداف مشبوهة تصب في تحقيق الفوضى الخلاقة في المجتمعات وسرقة المعوّل الرئيس في بنائها وهي (العقول والثقافات).
فهذا النشاط الموازي الذي تسوقه هذه الأكاديميات التي أوسمها بـ(ثقافة الظل المشبوهة) ينبغي التحذير منه والكشف عنه بموضوعية وتتبع آثاره، ووضع البرامج التحذيرية والتوعية من هذه البرامج أو البرامج التي لا تحمل تصريحًا رسميًّا في إلقاء المحاضرات أو الندوات، أو مناهج تحمل طابع الغموض أو إحالات لمتطرفين وتكفيريين أو مطلوبين في بلادهم أو من لطخت أيديهم بدماء المسلمين وخراب دولهم ومجتمعاتهم، فكل مسؤول عن أسرة وكل خطيب مِحراب وكل معلم أجيال أو أكاديمي تقع عليه أمانة التحذير من هذا النشاط العابر للحدود والذي يستهدف عقول أبنائنا وبناتنا، ويستهدف الأمن الفكري للمجتمع السعودي، فما دامت أنشطة إذكاء التوعية المجتمعية لدينا قائمة، ستصدم هذه الأكاديميات بمتحوراتها المختلفة مع صلابة الفكر وقدرته على الكشف والتمحيص الواعي.
(Starlink...والأمن الفكري)
ستارلينك (Starlink) كوكبة فضائية يشرف على إطلاقها ونجاحها كمشروع تقني الشخصية الشهيرة ايلون ماسك المالك لـ شركة التقنيات الفضائية سبيس إكس التي من خلالها تُطلق هذه الكوكبة لمهمات عسكرية وعلمية واجتماعية واستكشافية، بل إن هدفها المعلن رسميًّا إتاحة الإنترنت إلى كل فرد في أي بقعة من الأرض كحق فردي أصيل ونقلة نوعية في العالم التقني ومتطلباته.
رغم الإيجابيات الكبيرة المعلنة والخدمات الإنسانية الهائلة والتطور التقني المتوقع، إلا أن هناك رغبة قوية استشرافية لمستقبل الأفكار التي من الممكن أن تضخ وتوجه للمجتمعات المستهدفة، والمطالب التي تحملها هذه الأفكار وحيثياتها الأمنية والاجتماعية والسياسية، وكيف عبر starlink يتم تشكيل المجتمعات وتوجيهها بعناية في تنفيذ خارطات مُعدة سلفًا وفق تمتعهم بحرية افتراضية لا محدودة، وعبر لجان وغرف افتراضية مخصصة في تنفيذ أبجديات هذا التوجيه وتأسيس أرضه الخصبة.
فمن الملمح أن قيمة starlink العالمية في الميدان الفكري هي حرية تداول الأفكار دون اعتبار لأي حدود للقيم التخصصية أو الأفكار المحلية أمام القيم والأفكار الغالبة ذات الاتجاه والهدف الواحد، ولعل يلحق باستشراف المستقبل قد يجعلنا نتساءل: ما هو حال الدعوات الحاضرة في تطبيع حق المثلية مثلًا وما يلحق به من رغبات في واقع starlink؟
فيجب استشرافها وغيرها بالاستباق في صناعة الفكر الذكي الثابت لدى النشء خاصة جيل ما بعد الألفية أمام أي كثافة دعوات مخالفة للقيم المجتمعية والدينية لدينا، أمام أمواج لجان افتراضية خُصصت وبرمجت لهدم قيمنا ومحاولة إحلال الفوضى الفكرية لهذا الجيل ومحاولة هز ثقته بنفسه ودينه وقيمه وقيادته ومشاريع وطنه التنموية، والتركيز أولًا وأخيرًا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي هي رأس مستهدفات رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود (2030).