رواد الإدارة من القادة والإداريين المبدعين، وكذلك الموظفون الناجحون، يعتمدون مخططًا يوضح لهم طريقة العمل التي يسيرون عليها، والإجراءات التي من خلالها ينجزون أعمالهم ويحققون نجاحاتهم، وهو ديدن جميع الناجحين والمنظمات الناجحة التي تعتمد الإجراءات الكفيلة بتطبيق سياسات أنظمتها.
وكلما كان المسار المتبع لإتمام أي عمل من الأعمال سلسًا وخاليًا من التعقيد والروتين والتكرار، كان الإنجاز وتحقيق الأهداف بدقة وسرعة وجودة عالية، لتترجم الخطط والسياسات العامة إلى أسلوب عملي للقيام بالأعمال واتخاذ القرارات، وتقديم الخدمات للجمهور المستهدف بشكل سريع وفعَّال، وتحقيق الأهداف المحددة في الوقت المحدد، بعيدًا عن الارتجال ومنعًا للتخبط والتنصل من المسؤولية، وعدم القيام بالمهام والواجبات اللازمة للأداء، والدخول في دوامة المشاكل والإخفاقات.
لذا يحرص القيادي الناجح، والإداري المتميز، والموظف المبدع، على ملاحظة أي مظهر من مظاهر تعقيد الإجراءات، وينبهون إلى ضرورة دراستها للعمل على حل تلك التعقيدات وتبسيطها، وزيادة فاعلية الإجراءات، من خلال شموليتها وربطها بالأهداف المؤمل تحقيقها، وفق معايير محددة يسهل حصر المسؤولية من خلالها، وإمكانية مراقبتها، وتميزها بالسلاسة والتتابع والثبات والمرونة والبساطة، بعيدًا عن الروتين الممل، أو التعارض والتضارب مع جهود وإجراءات أخرى، وقابليتها للتحديث والتطوير، لأنهم يعون أن ذلك يؤدي إلى اختصار الوقت والجهد الفكري والبدني والعصبي للموظفين، وتخفيض النفقات المالية على المنظمة، وتجنب الفوضى والارتجال في مسار أي عملية، والقدرة على تطبيق معايير الجودة بفاعلية، وبالتالي تحسين وتطوير العمل من خلال زيادة فاعلية الإجراءات، والتوصل إلى أفضل طريقة أداء.
ومن أجل ذلك تستعين المنظمات بالخبراء المتخصصين في مجال التنظيم والأساليب الإدارية، وتنشئ وحدة تُعنى بالتنظيم والأساليب ضمن هيكلها التنظيمي، لدراسة الإجراءات ومراجعتها وتطويرها وتحسينها بشكل دوري، وتستقطب ذوي الخبرة للعمل في المنظمة، من أجل الاستفادة من خبراتهم، في تشخيص وتحليل المشكلات التي تواجه المنظمة لتقديم المقترحات والتوصيات بشأنها.
في المقابل نجد حديث العهد بالإدارة، حديث العهد بالوظيفة، حديث العهد بالتخرج؛ الذي وجد نفسه يجلس على كرسي القائد (لا لخبراته ولا مهاراته ولا قدراته، و لا لمؤهلاته، وإنما لعذوبة لسانه) نسف كل جميل في الإدارة والإجراءات الإدارية (حمله ريش) من الأنظمة والإجراءات، ويمتاز بشخصنة الأمور مع كل مبدع ومتميز وناجح، وتعمد تعقيد الإجراءات بدل تبسيطها، وتعدد المراحل والخطوات التي تمر من خلالها المعاملات، فتجده يعتمد سلسلة من الإجراءات ارتجالاً، وكثرة حالات اللف والدوران، في خطوات متعاكسة وصور متعارضة، وتعدد الوثائق المطلوبة وغير الضرورية، وكثرة عمليات المراقبة والتدقيق، وغيرها من الخطوات التعقيدية التي تعطل سير المعاملة، وتأخر إنجازها، وإرهاق الموظفين، وزيادة الروتين، والأعباء المالية، ويرى أن ما يُنظره مقدس، وما يخالفه باطل، وكل ذلك باسم التنظيم والتطوير، والحقيقة هو هروب من انكشافه أمام من حوله من القامات الإدارية الناجحة التي تحيط به، ولعدم ثقته بنفسه، ولغروره وتكبره على من حوله أنه جلس على كرسي القيادة رغم أنه حديث عهد في الوظيفة والإدارة، فيصنع ضجيجًا عله يُطيل بعمره على كرسي القائد.
مما ينعكس سلبًا على المنظمة برمتها، ويؤدي إلى نوع من خيبة الأمل وعدم الثقة في بيئة العمل، وبالتالي تهبط روح الموظفين المعنوية ويشجعهم ذلك إلى مغادرة بيئة العمل للبحث عن بيئة عمل أفضل، يجدون فيها الأمل والثقة والأمان الوظيفي والشخصي الذي يمكنهم من التميز والإبداع.
قبل الختام، لنعلم أن النجاح فضل من الله -سبحانه وتعالى- يؤتيه من يشاء من عباده {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} الآية.
والناجح يتألم لوجود هؤلاء المساكين، لا خوفًا منهم؛ بل حزنًا وشفقة عليهم.
وفي الختام نقول: نحن الناجحين متوكلون على ربنا -عزَّ وجلَّ- لا نخشى أحدًا في مسيرتنا نحو النجاح، واثقون بأنفسنا وما وهبه الله لنا من قدرات ومهارات، وما لدينا من رصيد ضخم من الخبرات، وما تعلمناه من دروس الحياة؛ التي هم أحدها، مما سيكون لنا أرضاً صلبة للوقوف عليها، وجسرًا متينًا للعبور للنجاحات التي نرومها في قادم الأيام - بإذن الله- التي منها العمل على انتشالهم مما هم فيه من وحشة، والحفاظ على منظمات وطننا من تخبطاتهم وجهلهم الإداري والوظيفي والأخلاقي والمهني.