من اللحظات الاستثنائية في حياة الإنسان أن يعيش لحظة صدق مع النفس في مسجد الرسول، عليه الصلاة والسلام، في المدينة المنورة، فهذه الساعات تتداخل فيها المشاعر، وأن نعيش في مصالحة مع النفس أمام ضغوط البشر وضغوط الحياة.
فهذه لحظات تختزل عمر الإنسان وتناقضاته وتمرداته وأخطائه وخطاياه وذنوبه، خصوصًا أن وباء كورونا كان مانعًا وحائلا دون زيارة المدينة المنورة والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعندما تنزل إلى أرض المدينة الطاهرة تشعر بأريحية نفسية، وتتفاعل مع أهل المدينة وزائريها، وتتذكر الطيبين الطاهرين الذين ترتسم سماحة الإسلام في وجوههم وكلامهم وأفعالهم، فهم يترجمون (الدين المعاملة) نصًّا وقولا وفعلا.. وهنا أتذكر الأنشودة الخالدة في قلوب كل المسلمين (طلع البدر علينا) عندما غنى أهل المدينة في استقبالهم للحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع).
هذه خاطرة شاردة، ولكن عندما تكون في المدينة المنورة تتعلم أدب الحوار وأدب التساؤل وأدب الإيمان، وأدب الأخلاق الذي افتقدناه كثيرًا في عالمنا اليوم.
وعندما تزور البقيع تكون أمام الصحابة أطهر خلق الله في هذا المكان الذي يموج بالآلاف والملايين ممن يزورون هؤلاء المبشرين بالجنة الذين رافقوا الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مشوار حياته؟!.
ولأنني كنت مشتاقًا اشتياقًا روحيًّا لزيارة المدينة المنورة والصلاة في مسجد رسول الله والسلام على الحبيب المصطفى؛ فالكلمات تتداخل والمعاني تتوقف والانفعالات تتزايد بعد مرور ثلاث سنوات لم أزر فيها مدينة الرسول- عليه الصلاة والسلام- المدينة المنورة.. فسامحوني واعذروني؛ لأن المشهد مهيب في ظل الأوجاع والمحن والحروب التي نعيشها الآن.
وأتساءل: كيف الخلاص؟ وجاءت الإجابة عندما تزور الحبيب المصطفى وتشرب ماء زمزم في مكة المكرمة تشعر أنك تمتلك الدنيا بأسرها.. وعندما تزور مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتذهب إلى قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب فإنك تتوقف أمام كلمة الشهادة، فهذا أهم نموذج لتطبيق الشهادة؛ فكان حمزة يهفو إليها لحظة تلو لحظة؛ واستجاب الله له؛ فكان سيد الشهداء قولا وفعلا.
كل هذه المواقف والأحداث تجعلك تسمو بروحك في هذا المكان الرباني الذي تشعر فيه براحة لا تشعر بها في أي مكان في العالم فيما عدا مكة المكرمة، فهذا المكان هو خليط من النور والرحمة والإنسانية، وهنا تُدرَّس حقوق الإنسان إذا أراد أن يتعلمها هؤلاء المدعون الذين حاولوا أن يصدِّروا الأزمات تلو الأزمات إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكن هيهات لهذه أو تلك؛ فهما في حماية الله، ولا يمكن مهما توصلوا إلى أحدث التقنيات والأسلحة أن يمسوهما بسوء.. فمكة ومدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محفوظتان بحفظ الله.
حاولت واجتهدت أن أنقل قليلا من كثير مما عايشتُه وعشت فيه في لحظات ودقائق وأيام معدودات في مدينة رسول الله.. فالراحة والأمان النفسي أقوى من كل أسلحة الدمار الشامل، فهنا في المدينة المنورة أخطر سلاح وهو السكينة، بمعنى أن تلمس راحة تُشعرك بأنك تمتلك العالم بأسره ولا تهاب الموت.
والله أسأل عَوْدة إلى يثرب، مدينة رسول الله التي لا يمكن لإنسان أن يحسب الوقت في هذا المكان الطاهر.
فيا رب تقبل عمرتنا أنا وأسرتي وصلاتنا في مسجد رسول الله، وأن نكون من المقبولين في عفوك ورحمتك.