بدر بن عبدالمحسن المقحم
تكتسي منطقة الخليج بأهمية بالغة من العالم سواء من الناحية الإستراتيجية نظراً إلى أنها مصدر رئيسي للطاقة العالمية، حيث تبحر عبر (مضيق هرمز) ما بين عشرين وثلاثين ناقلة نفط يومياً بحمولة تتراوح ما بين 16.5 و17 مليون برميل، وهو ما يشكِّل 40 % من تجارة النفط العالمية، كما تأتي مستوردات دول الخليج من خلال سفن شحن تمر عبر مضيق هرمز، وخاصة تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان. إلى جانب المزايا الجيوبوليتيكية لوقوعها بين قارات ثلاث، وفي ظل المتغيّرات الدولية الحالية والأزمات التي يعاني منها النظام العربي جراء الخلافات البينية وعدم الاستقرار في بعض دوله على خلفية تداعيات موجة الربيع العربي وظاهرة الإرهاب وتفاقم معدلات الفقر وتراجع مستويات التنمية وبروز قوى إقليمية مثل إيران وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لسوريا العراق واليمن ولبنان، فإنه بات من الأهمية بمكان لدول الخليج وعلى رأسها المملكة التي ينعم جميعها بقدر من الاستقرار والمنجزات أن تحافظ على ما وصلت إليه وتستمر في مساعيها لتقوية الصف العربي ومعالجة الاختلالات في نظامه على اعتبار أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ، ولضمان الوصول إلى هذا الهدف لا بد من مبادرة خليجية مبنية على أساس بعدين رئيسيين/ الأمن، والتنمية، فأمن الخليج ليس مهماً للأمن العربي فحسب، ولكن للأمن العالمي بحكم أنها مصدر للطاقة الأحفورية وتطل على ممرات ملاحية وبحرية تخدم التجارة العالمية وتتمتع بأسواق جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية، أما البعد الثاني فهو الاستثمار في التنمية العربية في مختلف المجالات وبالذات في القطاعين الزراعي والصناعي وبما يسهم في تقوية اقتصادات الدول العربية وتوفير الأمن الغذائي لشعوبها وتحقيق النهضة الشاملة، وبنظرة سريعة إلى تطورات واقع المنطقة نجد أنه بعد الانسحاب البريطاني منها تشكِّل فراغاً أمنياً ملأه الطرف الأمريكي بالتعاون من أطراف إقليمية كإيران البهلوية، ثم ظهرت في أعقاب ذلك عدة مبادرات ورؤى على هذا الصعيد كمبادرة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 1982م وفكرة تشكيل قوات التدخل السريع، ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - المطالبة بالاتحاد الخليجي، ومبادرة أسطنبول عام 2019م والضمانات الأوروبية بهذا الخصوص، ومبادرة هرمز الإيرانية عام 2019م المبنية على فكرة التجمع الإقليمي المغلق، وقبل كل ذلكان قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981م الذي كان أحد أسباب قيامه هواجس أمنية نتيجة قيام الثورة الإيرانية الخمينية 1979م. في هذا السياق وفي ظل التحديات القائمة في المنطقة وبالأخص على الصعيد الخليجي، فإنه يمكن طرح مبادرة خليجية تستلهم مبادئ وأهداف الأمم المتحدة الداعية إلى احترام سيادة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ومراعاة حسن الجوار واحترام المواثيق الدولية؛ إضافة إلى ذلك الأخذ بعين الاعتبار للنقاط التالية/
- قيام منتدى للحوار الإستراتيجي، قد يكون أحد أسمائه المنتدى الإقليمي للسلام/ بحيث يكون هذا المنتدى قبة للنقاش المعمق بين دول الخليج من جهة والدول الإقليمية كإيران مثلاً، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بهدف تبادل وجهات النظر حول قضايا الأمن والطاقة في المنطقة بغية توفير أفضل السبل للحفاظ على سلامة الممرات والمضائق البحرية الدولية وحمايتها من أي تهديدات أو قرصنة أو أخطار قادمة من جماعات إرهابية أو غيرها على أساس أن أمن الطاقة مسؤولية عالمية وعليه لا بد تكثيف الجهود في هذا الإطار لتحقيق غايات ومقاصد الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما يمكن لهذا المنتدى أن يكون محضناً لعدة لجان مشرفة على العديد من ورش العمل والندوات واللقاءات التي تجمع هذه الدول بأهل الاختصاص (من جامعات، مراكز أبحاث ودراسات وغيرهم) من ذوي الخبرات السياسية والاقتصادية والأمنية والنفطية والعسكرية، وبشكل دوري ومكثف للخروج بنتائج عملية تخدم قضايا استقرار المنطقة وتنميتها.
- فتح المجال لن يرغب وبصورة ودية بإبرام وثيقة عدم اعتداء لأي طرفين متجاورين من أطراف دول المنطقة.
- اعتماد أساليب الدبلوماسية الوقائية والسعي العاجل لاحتواء الأزمات قبل وقوعها وتفادياً لأي نزاع مستقبلي أو مواجهة مباشرة لا تحمد عقباها.
- اعتماد آلية الإنذار المبكر لأي أزمة أو كارثة تهدد أمن دول المنطقة للحيلولة دون تفاقمها أو استفحالها.
- تبادل المعلومات الاستخبارية بين أطراف المبادرة التي تسهم في إجهاض أي تهديدات أمنية أو فكرية وخاصة في ملفي الإرهاب والمخدرات.
- البناء الذاتي المتقدم بشرياً وتقنياً للقوات العسكرية لدول الخليج ووفق المنظومة المتبعة لكل دولة، والاستعانة بقوات درع الجزيرة وقت الحاجة أو ما يستوجب التدخل السريع وفق مقتضيات المصالح الخليجية الآنية وبما ينسجم مع النظام المؤسس لدول مجلس التعاون الخليجي.
- السعي الحثيث إلى تصفير الخلافات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي أولاً، وكذلك بين دول الجوار الإقليمي عبر القنوات الدبلوماسية وأسلوب التفاوض.