تلتصق كثير من العادات وتنشأ على ضفافها تقاليد بعضها يكون مذموم ، ما فائدة أن تكون بخيلاً ؟ يُعرف بأن الإنجليز أكثر الشعوب بخلاً، وفي نفس الوقت من اكثر الشعوب دعماً للجهات الخيرية ولكن السبب وراء تحول هذا الأمر إلى عادة قد لا يعرفه الكثير، ففي عام 1940 م قررت الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء أنذاك نيستون تشرتشل إيقاف كل المخصصات الحكومية للشعب وقررت الحكومة عوضاً عن ذلك استبدال المخصصات لكل فرد قارورة حليب سعة 400 مم ورغيف خبز في كل صباح إلى أن تنتهي الحرب العالمية الثانية ، ولأن الأيام التي تلت الحرب لم تكن واضحة فإن الإنجليز قرروا مع عودة المخصصات الحكومية بأن لا يصرفوا كثير من الأموال خوفاً من أن تعود تلك الأيام بعد أن أنهكت دول التحالف من الحرب ومع بداية الحرب الباردة وصعود أمريكا وروسيا لساحة الصراع ، وظلت هذه العادة التي نشأت من الخوف تتعاقب مع الأجيال إلى يومنا هذا إلى أن عرف العالم بأن الإنجليز أكثر الشعوب بخلاً ، حاولت الحكومة تحسين هذه الصورة فعلى غرار ذلك صعدت إنجلترا للمركز الأول في عدد المؤسسات الخيرية في العالم .
عندما أراد مؤسس الحزب الشيوعي ورئيس الصين الأول ماو تسي تونغ تحويل الصين من دولة زراعية إلى دولة صناعة خلف هذا التحول أكثر من مليون جائع، إلى أن أضطر الشعب أن يأكل الحيوانات والزواحف والطيور والأسماك ومع مرور الوقت أصبحت الصينين مولعين بأكل ما يمكن أكله من الحيوانات وتحولت هذه إلى عادة تدر الملايين على الحكومة الصينية سنوياً فسوق المأكولات الحيوانية يدخل في خزينة الدولة سنوياً أكثر من 6 مليار دولار.
ولماذا نذهب بعيداً ، ألم يسبق لك عزيزي السعودي أن سألت نفسك من أين أتت عادة الأرز يومياً ؟ ، على الرغم بأن الأرز لا يمكن له أن ينبت في بلادنا بكل هذه الوفرة إليك قصة هذه العادة إذاً ، ففي القرن السادس عشر دخل العثمانيون إلى اليمن بغية السيطرة على أسواق القهوة التي سبقت إليها الأساطيل البرتغالية، وفي تلك الأثناء ضرب صنعاء مجاعة بسبب قلة الأمطار ، وخوفًا من ثورة الجياع التي كانت وشيكة عليهم قرروا أن يجلبون الأرز من الهند ليقوموا بتوزيعة في أسواق اليمن جميعها ، ومن اليمن أنتشر الأرز في باقي الجزيرة العربية ، ليصبح الوجبة الرئيسية منذ ذلك الوقت .
وها نحن نرى بأن من الظروف القاسية التي يتعرض لها البشرية تنشأ أشياء مشتركة ترافقنا كعادات يومية ، أشياء منها محمودة والأخرى نراها بأعيننا يجب التخلص منها ، ولكن المهم في هذه الموضوع ككل أن نعلم جيد حقيقة هذه العادات ومن أين تلبستنا.
** **
- إبراهيم المكرمي