علي خضران القرني
تعرفت على هذه الشخصية المحبوبة، خلال عملي في إدارة التربية والتعليم للبنات بالطائف والتي قضيت ردحاً من حياتي بها، والعم حسن العارف كان أحد الموظفين، توطدت علاقتي وزمالتي به مع مرور الأيام، حتى أصبحنا كالإخوة لا نفترق في غالب الأيام تجمعنا المودة والمحبة والتقدير والاهتمامات الأدبية المشتركة.
وحياة العم حسن مليئة بالكفاح والصبر والتضحية، ويشكل قدوة حسنة لشباب اليوم، وقبل دخوله عالم الوظيفة المدنية، كان فقيها وإماماً ومعلما في أحد كتاتيب قرية (الذَّيبة) ببني سعد، إحدى قرى ضواحي الطائف، علَّم شبابها القراءة والكتابة وقراءة القرآن، وقد تخرَّج على يديه في هذا المجال العديد من شباب القرية وطلاب العلم -الذين لازالوا يذكرونه ويحمدون حسن صنيعه -، وكان محبوبا لدى شيوخ القرية وأعيانها وسكانها.
أخيراً استقر به المقام في مدينة الطائف تبعاً للوظيفة المدنية التي حصل عليها، وكوَّن فيها صداقات عديدة وأنجب البنين والبنات ممن تأهلوا في مجالات علمية متعددة كان منهم الدكاترة والأساتذة وغير ذلك من مجالات العلوم العالية وخدموا الوطن في مجالات التربية والتعليم والجامعات.
كان العم حسن- رحمه الله- مدرسة متكاملة في النصح والتوجيه لمن حوله من زملائه ورفاق دربه في العمل، إضافة إلى ما يتحلى به من خلق كريم وتواضع جم وتعامل حسن، وله منزلة خاصة من المحبة والتقدير والاحترام في نفوسهم، (زملاء ورؤساء) وله في مجال البر وإصلاح ذات البين جهود مثمرة إذا ذكرت شكرت، والقصص والمواقف حول ذلك كثيرة ومتعددة عشت بعضها ووقفت على معظمها، تحفظها الذاكرة وإن لم تحفظها الأضابير.
كان العم حسن من عشاق القراءة وقرض الشعر وله في ذلك تجارب ناجحة، ظهر لي ذلك من خلال احتكاكي به أثناء العمل وخارجه، وكثيراً ما كان يطلعني ويهدي إليَّ بعض قصائده الجميلة المعبرة في الهدف والمدلول، وبعضها كان مبنياً على مواقف تحصل بيننا فتتولد لديه القصيدة وتنقدح القريحة تبعا لذلك فيجود علينا بدرر من الشعر المؤثر البديع.
وتأسيا بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من وجوب بر الأبناء بوالديهم، فقد قام الدكتور يوسف حسن العارف الأديب المعروف، أحد أبناء الراحل بإهدائي ديوان والده الموسوم بـ(المختار من القصيد والأشعار) من جمع وإعداد شقيقه الأستاذ محمد حسن العارف ومن اختيار وتبويب ودراسة د. يوسف العارف تخليداً لذكرى والدهم الوظيفية والأدبية والشعرية، وقد أحسنوا أيّما إحسان بصنيعهم الجميل تجاه والدهم رحمه الله.
احتوى الديوان على قصائد عديدة إيمانية ووعظية ونصيحة وإخوانية ووطنية ووجدانية ورثائية، من الشعر العامودي المقفى الموزون، سهلة الأسلوب واضحة المعنى سامية الهدف وكأني به ينحى في أفكار شعره ما عناه الشاعر القديم:
وما من كاتبٍ إِلا سَيفنى
ويُبقي الدهرُ ما كتبت يداهُ
فلا تكتب بكفكَ غيرَ شيءٍ
يسركَ في القيامةِ أن تراهُ
ولفت نظري في هذه المختارات، قصائده الإخوانية التي تنم عن حسِّ إنساني راق، فما من مناسبة إلا ويسهم فيها شعرياً بروحه الأدبية وقيمه الإسلامية وتجلياته الفكرية، فمثلاً قصيدته عن التقاعد التي يقول فيها مخاطباً زملاءهُ:
كرام نلتقي في كل صبح
فكان لقاؤنا منه النوال
وعشراً من سنين الدهر عشنا
فكانت كلها حول يحال
وقد حان الفراق فلا بكاء
يفيد ولا عتاب أومقال
ويقتبس من الشاعر القديم قوله:
نزلناها هنا ثم ارتحلنا
كذا الدنيا نزول وارتحال
وسأتجاوز القصائد التي أسبغها على شخصي الضعيف إهداءً وتكريمًا فكل ذلك يدل على معدنه الأصيل وزمالته ووفائه.
كما لفت نظري قصائده الوطنية في حب بلاده ومملكته السعودية ودورها العربي والإسلامي لنصرة الحق والجار، فها هو يصفها بالواحة الفواحة والسعد لزائرها والقبر لغازيها وهي أم الجزيرة والتي يختمها بقوله:
هي جوهر الدنيا وياقوت الورى
هي جنة وخميلة وبحور
خذ فكرة عنها وزر أنحاءها
إن كنت عنها يا أُخَيُّ غرور
واعلم بأنك في ديار أهلها
صيدٌ كِرَامٌ فرحة وحبور
ولاشك أن شاعرنا في أبياته السابقة لامس الحقيقة، فالمملكة العربية السعودية تمثل قلب العالم الإسلامي النابض، وبها مهوى الأفئدة التي يؤمها المسلمون من كل أصقاع العالم، والمملكة تعيش آلام وآمال العالم من حولها، ولا تدخر جهداً في توحيد الصف ونصرة المظلوم وإسعاف المنكوب كما أنها تعيش نهضة اقتصادية وصناعية وعلمية عظيمة شهد بها العالم أجمع في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله وأيدهم بنصره.
ولم يخل الديوان من الشعر الغزلي العفيف الذي يذكرنا بكثَيِّر وقيس وجميل، رموز الشعر الغزلي العذري الذين التزموا العفَّة والإخلاص ووصف المشاعر الجياشة تجاه المحبوب.. وكل ذلك نجده في غزليات العم حسن العارف رحمه الله.
كما طرق الشاعر الجانب الوعظي والإيماني والوجداني والرثائي في شعره بقصائد نابضة عالج فيها العديد من القضايا الدينية والاجتماعية بأسلوب سلس مقبول لدى المتلقي.
وبعد فهذا غيض من فيض من الانطباعات التي فجرها هذا الشعر الجميل.
رحم الله الشاعر رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وبارك في أبنائه البررة على قيامهم بهذا العمل، تخليداً لسيرة والدهم العملية والأدبية والثقافية.