د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
صفات الله وأسماؤه كلمات عربية؛ ولذلك نجد أنه من الطبيعي أن تستعمل في وصفه وفي تسميته كما أن بعضها تستعمل في وصف مخلوقيه وتسميتهم؛ ولكن ما تقتضيه عقيدة المسلمين أنَّ بين معنى أسمائه وصفاته ومعنى أسماء الخلق وصفاتهم فرقًا، وهذا يعني أن الذي بين أسماء الله وصفاته وأسماء الخلق وصفاتهم هو مشترك لفظي فقط، وسأكتفي بذكر بعض تلك الأسماء والصفات الواردة في قوله تعالى (هُوَ اللهُ الَّذِي لَآ إِلهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبَّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[23-الحشر].
الملك:
جاء (الملك) في قوله تعالى (فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ)[114-طه]، قال الزجاج «وقال أصحاب المعاني: المَلِكُ، النَّافذُ الأمْرِ في مُلكِه، إذ لَيْسَ كلُّ مَالكٍ يَنْفُذُ أمرُهُ؛ وتصرُّفُهُ فيما يملِكُهُ. فالمَلِكُ، أَعَمُّ مِنَ المَالِكِ، واللهُ تعالى، مالكُ المالِكِينَ كُلِّهمْ. والمُلَّاكُ، إنما استَفادوا التَّصَرُّفَ في أمْلاكهمْ منْ جهَته تَعالى»(1).
واستعمل (الملك) للمخلوق، قال تعالى (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ)[54-يوسف]، وصفة المخلوق مؤقتة تزول بالخروج عليه أو بموته، أما معنى الملك الخالق فمختلف عن معنى الملك المخلوق وإن اشتركا في اللفظ.
السلام
جاء استعمال (السلام) في القرآن بالمعنى اللغوي، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُم فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ)[94-النساء]، قال الأزهري «وقرئت (السَّلَام) بِالْألف، فَأَما السَّلَام فَيجوز أَن يكون من التّسليم، وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى السلَم وَهُوَ الاستسلام وإلْقاءُ المَقادَة إِلَى إِرَادَة الْمُسلمين»(2). قال ابن الأنباري «ويقال: السلام عليكم، من المسالمة، معناه: نحن سِلْمٌ لكم»(3).
قال أحمد مختار عمر عن وصف الله بالسلام «وفي معنى الاسم أقوال منها:
1-ذو السلام (صاحب السلامة)، ووصف بالمصدر على سبيل المبالغة في وصفه تعالى بكونه سليمًا من النقائص والآفات، لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
2-معطي السلام (السلامة) في الدنيا والآخرة.
3-المسلِّم على أوليائه يوم القيامة.
4-الذي يسلم من عذابه من لا يستحقه، أو يسلم الخلق من ظلمه.»(4).
ويتبين أن معنى (السلام) الذي هو صفة لله يختلف عن معنى (السلام) في اللغة، وأن الجامع بينهما مجرد اشتراك لفظي.
المؤمن:
اسم فاعل من الفعل (آمن)، وصف الله عبده بمؤمن وعبيده (المؤمنون)، قال تعالى (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيْرًا)[124-النساء] وقال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[1-المؤمنون]، قال الزجاج «فمعنى المؤمن، إذا وَصَفْنَا بِهِ المخلوقِينَ: هُوَ الوَاثِقُ بما يعتقِدُهُ الـمُسْتَحْكِمُ الثِّقَةِ. ويُقالُ: إنَّهُ، في وَصْف اللهِ تَعَالى، يفيدُ: أنَّهُ الَّذِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِهِ مَن لّا يَسْتَحِقُّهُ»(5).
فلعل معنى المؤمن المخلوق من آمن نفسه بخشية الله ورجاء مغفرته وبصدق اعتقاده بربه، وأن المؤمن الخالق من آمن عباده المستحقين من عذابه. فالمعنيان مختلفان وإن كان بينهما اشتراك لفظي.
المهيمن:
اسم فاعل من الفعل الرباعي (هيمن)، قال ابن الأنباري «والمهيمن: القائم على خلقه، قال الشاعر:
ألا إنّ خيرَ الناسِ بعد محمدٍ ... مهيمنُهُ التاليه في العُرْفِ والنُّكْرِ
معناه: القائم على الناس بعده. ومن ذلك قوله عز وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَبْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[48-المائدة]»(6). وقال عن لفظ المهيمن «في المهيمن خمسة أقوال: قال ابن عباس: المهيمن: المؤمن. وقال الكسائي: المهيمن: الشهيد(7). وقال أبو عبيد: يقال: المهيمن: الرقيب؛ يقال: قد هيمن الرجل يهيمن هيمنة: إذا كان رقيبًا على الشيء»(8). إذن ثمَّ اختلاف بين معنى المهيمن الخالق والمهيمن المخلوق، وإن اشتركا في اللفظ.
العزيز:
العزيز صفة مشبهة باسم الفاعل من الفعل (عزّ)، وجاء في القرآن وصفًا لله، قال تعالى (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[96-الأنعام]، وجاء وصفًا للمخلوق، قال تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأةُ الْعَزيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ)[30-يوسف]، قال ابن فارس أن أصل الفعل (عزّ َ) «يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَقُوَّةٍ وَمَا ضَاهَاهُمَا، مِنْ غَلَبَةٍ وَقَهْرٍ. قَالَ الْخَلِيلُ: (الْعِزَّةُ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ مِنَ الْعَزِيزِ. وَيُقَالُ: عَزَّ الشَّيْءُ حَتَّى يَكَادَ لَا يُوجَدُ)(9). وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ بِلَفْظٍ آخَرَ أَحْسَنُ، فَيُقَالُ: هَذَا الَّذِي لَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ عَزَّ الرَّجُلُ بَعْدَ ضَعْفٍ وَأَعْزَزْتُهُ أَنَا: جَعَلْتُهُ عَزِيزًا. وَاعْتَزَّ بِي وَتَعَزَّز»(10). ودلالة العزة على الشدة والقوة والغلبة والقهر، وإن اتصف بها الخالق ثمّ المخلوق، ليست شيئًا واحدًا فشتان بين عزة الله وعزة عبد الله؛ فالأولى لا حدود لها والآخرة ضئيلة محكومة بمشيئة صاحب العزة الأولى، وليس بين عزة الخالق وعزة المخلوق سوى اشتراك لفظي.
الجبّار:
صيغة مبالغة على بناء (الفَعّال)، وصف الخالق بهذه الصفة كما وصف المخلوق، قال تعالى
(وَسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)[15-إبراهيم]، قال ابن الأنباري «والجبار ينقسم على ستة أقسام: يكون الجبار: القهار. ويكون الجبار: المسلَّط، قال الله عز وجل: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)[45-ق]، معناه: وما أنت عليهم بمسلَّط. ويكون الجبار: القوي، العظيم الجسم؛ كقوله عز وجل:(إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ)[22-المائدة]، معناه: أقوياء أشداء عظام الأجسام. ويكون الجبار: المتكبر عن عبادة الله؛ كقوله: (وَلَمْ يَجْعَلْني جَبَّارًا شَقِيًّا)[32-مريم]، أي: لم يجعلني متكبرًا عن عبادته. ويكون الجبار: القتّال؛ كقوله تعالى: (وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)[130-الشعراء]، معناه: بطشتم قتّالين. ومن ذلك قوله: (إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ)[19-القصص]، معناه: إلا أن تكون قتّالًا في الأرض. ويكون الجبار: الطويل من النخل»(11). ومن هذا المعنى الأخير الدال على العلو أخذ الزجاج صفة الخالق (الجبار) قال « وَيُقَال نَخْلَة جبارَة إِذا فَاتَت الْيَد وفواتها الْيَد علو وَزِيَادَة ... وَالله تَعَالَى عَالٍ على خلقه بصفاته الْعَالِيَة وآياته الْقَاهِرَة وَهُوَ الْمُسْتَحق للعلو والجبروت تَعَالَى»(12).
الخالق (جبار) والمخلوق (جبار) ولكن بين دلالتي اللفظين تباين لا يبقى معه سوى أنهما مشترك لفظي.
المتكبّر:
اسم فاعل من الفعل (تكبّر)، وصف المخلوق في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[27-غافر]، وأما وصف الخالق بالمتكبر فجاء تفسيره عند ابن سيدة قال «(المُتَكَبِّرُ) الَّذِي تَكَبَّرَ عَن ظلم عباده وَقيل الـمُتَكَبِّرُ الَّذِي تكبَّر عَن كل سوءٍ ... والـمُتَكَبِّرُ الْمُسْتَحق لصفات التَّعْظِيم»(13)، وقال الزمخشري «والله المتكبّر: البليغ الكبرياء والعظمة»(14).وقال ابن الأثير «فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْمُتَكَبِّرُ والْكَبِيرُ» أَيِ الْعَظِيمُ ذُو الكبْرياء. وَقِيلَ: المُتعالي عن صفات الخلق. وَقِيلَ: الـمُتَكَبِّر عَلَى عُتاةِ خَلْقِه»(15). وقال الكفوي «{المتكبر}: الَّذِي تكبر عَن كل مَا يُوجب حَاجَة أَو نُقْصَانًا»(16). وفصل الفيروزبادي في معنى المصدر الذي أخذ منه المتكبر قال «وَأما التَّكَبُّر فعلى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن تكونَ الأَفعالُ الحسَنةُ كَبيرةً فِي الْحَقِيقَة، وزائدةً على محَاسِن غَيْرِه، وعَلى هَذَا قولُه تَعَالَى: (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)[23-الحشر] وَالثَّانِي: أَن يكون مُتَكَلِّفًا لذَلِك مُتَشَبِّعًا، وَذَلِكَ فِي عامّة النَّاس، نَحْو قَوْله تَعَالَى(يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[35-غافر] وكل من وُصِف بالتكبُّر على الْوَجْه الأول فمحمود، دون الثَّانِي، ويدلُّ على صِحَة وَصف الْإِنْسَان بِهِ قَوْله تَعَالَى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[146-الأعراف] والتَّكَبُّر على المُتَكَبِّر صَدَقَة»(17). وصف الخالق والمخلوق بالصفة (المتكبر) على تباين في المعنى وإنما يجتمع الوصفان وصف الخالق ووصف المخلوق في اللفظ؛ فهو مشترك لفظي.
وما ذكرته في الصفات السابقة يقال في كل الصفات التي استعملت للخالق والمخلوق.
** __ ** __ ** __ ** __ **
(*)الموضوع مهدًى للشيخ ياسر بن عبدالرحمن الخميس حفظه الله.
(1)أبوإسحاق إبراهيم بن السري الزجاج، تفسير أسماء الله الحسنى، تحقيق: محمد يوسف الدقاق (ط2، دار المأمون للتراث، دمشق/بيروت، 1399هـ/ 1979م.) ص30.
(2)الأزهري، تهذيب اللغة، 12: 311.
(3)ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، 1: 66.
(4)أحمد مختار عمر، أسماء الله الحسنى: دراسة في البنية والدلالة (ط1، عالم الكتب/ القاهرة، 1417هـ/ 1997م.) ص 59.
(5)الزجاج، تفسير أسماء الله الحسنى، ص 32.
(6)ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، 1: 85.
(7)فعيل هنا بمعنى فاعل فالشهيد أي الشاهد.
(8)ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، 1: 85.
(9)الخليل بن أحمد، معجم العين، 1: 70.
(10)ابن فارس، مقاييس اللغة، 4: 38.
(11) ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، 1: 80-81.
(12) الزجاج، تفسير أسماء الله الحسنى، ص 34-35.
(13) المخصص، 5: 229.
(14) أساس البلاغة، 2: 119.
(15) النهاية في غريب الحديث والأثر، 4: 139-140.
(16) الكليات (ص: 884).
(17) مجدالدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق: محمد علي النجار (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية/ القاهرة، 1412هـ/ 1992م.) 5: 325-326.